ظل الحديث عن الأمن الغذائي في بلادنا نظريا في مؤتمرات ومحاضرات ومقالات حتى جاءت رؤية 2030 ليصبح الأمن الغذائي خطوات عملية لتوفير الغذاء لجميع أفراد المجتمع بالكمية والنوعية اللازمتين للوفاء باحتياجاتهم بصورة مستمرة فقد عملت الدولة على تطوير القطاع الزراعي الذي أحرز نتائج كبيرة كان لها أثر إيجابي في تعزيز الأمن الغذائي، خاصة خلال أزمة كورونا، ما جنب سلاسل إمداد الغذاء السعودية، تلك الأزمة العالمية التي أصابت دول العالم.
وكان لاستراتيجية وزارة البيئة والمياه والزراعة، التي تضم "59" مبادرة مختلفة، الأثر الكبير في تحقيق الأمن المائي والغذائي مع تشجيع مربي الثروة الحيوانية والسمكية والنحل والعسل، وكذلك زيادة مشاريع الدواجن والبيوت الزراعية المحمية، إضافة إلى توجه صندوق الاستثمارات العامة إلى إيجاد شركات متخصصة لدعم إنتاج بعض المحاصيل الزراعية حسب المناطق المشهورة بتلك المحاصيل، كالشركة السعودية للقهوة التي أعلن عنها أخيرا.
وبفضل هذا التخطيط السليم استطاعت السعودية أن تحقق تقدما في مؤشر الأمن الغذائي العالمي، الأمر الذي جعلها في مستوى متقدم في مجال تأمين غذائها سواء بالإنتاج المحلي أو بالمخزون الاستراتيجي. ويساند جهود وزارة البيئة والمياه والزراعة التي تتم بإشراف دقيق ومتابعة من وزيرها المهندس عبدالرحمن الفضلي، الشركة السعودية للاستثمار الزراعي "سالك" التي أُسست في 2009 كشركة مساهمة سعودية مملوكة لصندوق الاستثمارات العامة. ونص نظامها الأساسي أن يكون نشاطها الاستثماري داخل السعودية وخارجها للإسهام في تحقيق استراتيجية الأمن الغذائي عن طريق توفير المنتجات الغذائية واستقرار أسعارها من خلال إنشاء شركات تابعة بمفردها أو عبر شراكات وطنية وإقليمية ودولية. واستثمرت الشركة في مجال الزراعة وتجارة الحبوب والأرز واللحوم في دول عديدة، منها: كندا وأستراليا والبرازيل وبريطانيا وسنغافورة والهند وأوكرانيا.
وأخيرا: قلت في مقال سابق إن نظام الزراعة يعد من أهم الأنظمة، لأنه يهدف إلى حماية الثروة المائية وتعزيز الأمن الغذائي في الوقت نفسه، وهي معادلة صعبة لكنها غير مستحيلة. وبدأت النتائج تثبت ذلك، ففي ظل شح المياه تتم زراعة محاصيل كثيرة. أما الزراعة في الخارج، فقد لا تكون نتائجها مضمونة، ولا سيما في ظل الحروب التي تحول دون الاستفادة من المحاصيل، كما حدث لمن استثمر في أوكرانيا مثلا، ولذا فإن التركيز على الزراعة الداخلية أفضل بكثير، ويظل محصول الأرز الذي لم توفق تجارب زراعته محليا، لذا فإن الحل الأفضل هو الاعتماد على الخزن الاستراتيجي الذي كاد أن ينفد في 2008، بحيث يسهم كبار مستوردي الأرز في هذا المخزون المدعوم من قبل الدولة وتحت إشرافها.
ومع تدخل صندوق الاستثمارات العامة يزداد الأمل في توفير مزيد من المحاصيل الزراعية وتحقيق الأمن الغذائي الكامل لتظل بلادنا بعيدة عن التقلبات الدولية التي تؤثر سلبا في توفير احتياجات الدول من الغذاء بتكلفة معقولة.