تتميز الكويت بنظام سياسي قائم على مبايعة تاريخية دستورية بين الشعب وذرية مبارك الصباح، لم تكن يوماً محل جدل في التاريخ القديم والحديث حتى في أحلك الظروف والتعقيدات العميقة التي صاحبت الغزو العراقي للدولة.

تعثرت كثيراً تجارب منذ زمن قيادة رئاسة الحكومة من ذرية الشيخ مبارك الصباح خاصة، التي لم يشترطها الدستور بالنسبة لرئاسة الحكومة، بل فشلت سياسياً فيما أحسب تلك التجارب في معظمها أخيراً.

لا علاقة للمبايعة ولا بأسرة الصباح الحاكمة والأسرة ككل في عدم نجاح قيادة الشيوخ ناصر المحمد وجابر المبارك وصباح الخالد لرئاسة الحكومة كأحد الأمثلة الحديثة، فثمة العديد من العوامل والمتغيرات السياسية والاجتماعية والثقافية التي شكلت وتشكل اليوم تحدياً حقيقياً.

إن فشل تجارب رئاسة الحكومة من أسرة الصباح الحاكمة جاء نتيجة حتمية لطبيعة مزاج إرادة الشعب، لاسيما القوى الشبابية، قوى التغيير، والانتخابات النيابية عموما، فضلا عن قرارات لم يكتب لها النجاح!

لم يعد أمامنا اليوم سوى التفكير والتشجيع على دعم فكرة رئاسة حكومية شعبية، خصوصاً في ضوء عدم وجود محظور دستوري يحول دون قيادة الحكومة من احدى الشخصيات الكويتية من أصحاب الخبرة والحياد والنزاهة والحكمة.

إن نجح رئيس حكومة شعبي في قيادة رئاسة الحكومة، فذلك يصب في مصلحة الشعب والدولة ككل، وإن لم يوفق فمن السهل اللجوء لغيره، وغيره كثر من أجيال مختلفة، والهدف من ذلك النأي بأسرة الحكم من التجريح السياسي المغلظ.

والمساءلة الدستورية لرئيس الحكومة الشعبي ستكون أسهل تقبلاً سياسياً بعيداً عن جدل عقيم حول ما يتردد عن صراع شعبي أو مؤامرات ضد الشيوخ، فهي معادلة غير سليمة تقوم على أقاويل ومزاعم من الباطل لابد لها أن تنجلي نهائياً.

إن فكرة رئاسة الحكومة شعبياً لم تأت من فراغ سياسي، بل هي من مرئيات لشخصيات كويتية من ذوي الآراء الحصيفة، الذين يسعون إلى إنقاذ الكويت من المزيد من الانسداد السياسي بين مجلس الأمة والحكومة وفي الدولة ككل.

بالتأكيد ان رئاسة الحكومة الشعبية لا ينبغي أن تحمل أي أبعاد قبلية ولا طائفية ولا فئوية ولا تحالفات مشبوهة.. رئاسة نزيهة وجريئة في تحمل ثقل المسؤولية والتنازل عنها في ذات الوقت، إن لزم الأمر من دون تعقيدات ولا مساومات.

ويستدعي إنقاذ الكويت من العثرات الحكومية والبرلمانية التغيير السياسي المنهجي، تكريساً لمزيد من الشراكة بين الشعب وأسرة الحكم في تقرير مصير ومستقبل الدولة وانتشالها من التراجع المفزع اقتصادياً وسياسياً وثقافياً، فلن يمكن تحقيق الاستقرار والتنمية في ظل هذا التراجع والجمود.

ليس هناك فرد أو جماعة كويتية أو تكتل سياسي يقبل في مناقشة، ولا لوهلة من الزمن، المبايعة لأسرة الصباح الحاكمة، بل ثمة اجماع كويتي من مختلف الاطياف والأجيال على المحافظة عليها كما برهن الزمن على ذلك في الغزو العراقي للكويت.

بلا شك إننا بحاجة سياسية ملحة لنزع فتيل الاحتقان السياسي والصدام بين الحكومة ومجلس الأمة عبر العودة إلى صناديق الاقتراع الانتخابي من أجل تصحيح مسار العمل البرلماني ككل ومجيء رئيس حكومة جديد متوافق عليه شعبياً وبرلمانياً.

ولعل صمام الأمان في معالجة الجزع السياسي والاجتماعي لدى كل الأطراف المعنية من مجيء رئيس حكومة شعبي في تبني تشريع لقيام الأحزاب السياسية كنتيجة لتطور ديموقراطي حتمي من شأنه تنظيم العمل السياسي والبرلماني والحكومي أيضاً.

إن تشريع وتنظيم العمل الحزبي العلني، سيصون بلا شك الدولة ونظامها السياسي الديموقراطي ويدعم الحياد لأصحاب القرار، خصوصاً في انتخابات رئاسة مجلس الأمة والانتخابات النيابية عموما.. بدلاً من عمل جمعيات وتكتلات سياسية في الخفاء وتفشي المزيد من الفوضى السياسية في البلاد.

ولعل الـغموض الذي يصاحب ضبابية الوضع السياسي الحالي، خصوصاً في ظل استمرار عدم حسم تكليف رئيس وزراء جديد بديلاً عن الشيخ صباح الخالد يضفي الشرعية في قبول فكرة أن تذهب رئاسة الحكومة إلى الشعب كحل للخروج من التعقيدات والتحديات الراهنة.