من التقارير المهمة التي نُشرت حديثًا تقرير «الاقتصاد الأخضر» الذي أعده مركز التواصل والمعرفة المالية (وزارة المالية) بالتعاون مع جمعية الاقتصاد السعودية (32 صفحة)، لذا أنصح بقراءته لفهم ملامح الحقبة الاقتصادية، خاصة في مجالات الطاقة المختلفة وحماية البيئة.

يعود تاريخ الاهتمام بهذا الاقتصاد إلى 2008، عندما أطلقت الأمم المتحدة مبادرة «الاقتصاد الأخضر» التي تألفت من البحث العالمي والمساعدة على المستوى القطري؛ لتشجيع صانعي السياسات على دعم الاستثمارات البيئية في سياق التنمية المستدامة، وبفضل هذه المبادرة وجهود الوكالات الأخرى؛ تم وضع «الاقتصاد الأخضر في سياق التنمية المستدامة والقضاء على الفقر» على جدول أعمال مؤتمر ريو 20 + لعام 2012، وتم الاعتراف به كأداة لتحقيق التنمية المستدامة.

هناك عدة تعريفات لهذا المفهوم، ومنها هو الاقتصاد الذي يقل فيه انبعاث الكربون، وتزداد كفاءة استخدام الموارد، كما يستوعب جميع الفئات الاجتماعية؛ حيث لم يعد الإنتاج في عالم اليوم بالكم، بل أصبح بالكيف، وبأي موارد وانعكاسات بيئية.

يمكن القول -كما جاء في التقرير-: إن بروز «الاقتصاد الأخضر» جاء بفعل عدد من الأزمات العالمية المترابطة، مثل «الأزمة المالية» و»الأزمة الغذائية» و»أزمة المناخ»، ومن المتوقع أن تُسهم استثمارات القطاع الزراعي في عودته ليكون أكثر ملاءمة للبيئة، وبالتالي يخفف من حدة الفقر الريفي ونزوح السكان إلى المدن، فضلًا عن دوره في حل مشكلة الأمن الغذائي، ودوره في تخفيف الفقر المائي وفقر الطاقة من خلال استراتيجيات تهدف إلى ترشيد استهلاك الموارد الطبيعية، وتخفيف الاستثمار في البنية التحتية الخضراء، كخدمات الطاقة المتجددة ومياه الشرب والصرف الصحي.

ومن الدول الرائدة في القطاع ألمانيا التي تُعد ثاني أكبر الأسواق الأوروبية استثماراً في مجال الطاقة المتجددة، سواء في إنتاج طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية، وبأحدث التقنيات لتحقيق أهدافها الخضراء. إذ سعت إلى حل المشاكل البيئية بالتحول من الوقود الأحفوري إلى استخدام الطاقة النظيفة والمتجددة، كما عمدت إلى استخدام الموارد المتجددة لتصنيع المواد الأساسية في مجالاتها الحيوية.

وبذلت الحكومة السعودية لتحقيق أهداف «الاقتصاد الأخضر»، العديد من الإجراءات، ومنها: مراجعة السياسات الحكومية وإعادة تصميمها لتحفيز التحولات في أنماط الإنتاج والاستهلاك والاستثمار، وزيادة الموارد، والاهتمام بقطاع المياه وضبط استخدامها وترشيدها ومنع تلوثها، والعمل على الاستثمارات المستدامة في مجال الطاقة وإجراءات رفع كفاءة الطاقة، ووضع استراتيجيات فاعلة لخفض كربون التنمية الصناعية. وفي هذا الطريق تبنت القيادة السعودية بإشراف مباشر من ولي العهد مبادرة «الاقتصاد الدائري للكربون» وأبرزتها في أهم المحافل العالمية، وفي مقدمتها قمة قادة مجموعة العشرين (2020)، للتأكيد على دورها الفاعل في مبادرات إدارة الانبعاثات والتحول إلى الطاقة النظيفة.

الاقتصاد الأخضر لن يحل محل التنمية المستدامة، بل إن تحقيق الاستدامة يكاد يرتكز على إصلاح الاقتصاد، كما يجب أن نعلم أن التحول إلى الاقتصاد الأخضر لا يتم بقرار فوري، ولكنه عملية طويلة الأجل تحتاج إلى عقود طويلة؛ فهو يحتاج إلى تغيير في السياسات الاقتصادية المرتبطة بأنماط الإنتاج والاستهلاك، والاهتمام بالجانب البيئي في عدد من القطاعات الإنتاجية والخدمية.. دمتم بخير.