حتى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لم يحتمل الترّهات التي تصدر عن البعض في شأن بقائه في قصر بعبدا في حال بقيت حكومة تصريف الأعمال برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي تمارس أعمالها اذا لم تتشكل حكومة جديدة كاملة الصلاحيات يوجبها الدستور بعد قيام البرلمان الجديد.
بل إن عون سعى إلى طمأنة زواره بأن هناك حكومة جديدة ستتشكل، وأن لا مانع لديه من تجديد الثقة بحكومة ميقاتي الحالية، بعد أن ردّ مستشاره الوزير السابق سليم جريصاتي بأنه سيغادر منتصف ليل 31 تشرين الأول المقبل. وهي ردود على ترهات بأنه إذا بقيت حكومة تصريف الأعمال حتى انتهاء الولاية الرئاسية، يسقط الطائف كما قال رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل لأنها غير مكتملة الصلاحية. وفي حين اتهم غيره بنية عدم تأليف الحكومة، وضع باسيل نفسه في خانة التهمة التي تلبسه، بأنه سيسعى إلى عرقلة التأليف منذ الآن لمجرد وضعه الشروط على من سيكلَّف بالمهمة، وتحديده مواصفات تركيبتها وموقف رئيسها من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وغيرها من الأمور، فيما مطلبه المضمر إجراء التعيينات في المراكز الحساسة في الخارجية وغيرها. وهو استند إلى احتمال تعطيل التأليف ليوحي بأنه يجعل «كل موقع ومؤسسة دستورية قائمة من دون حدود زمنية»، بما يعني أن رئيس الجمهورية يستمر في منصبه بعد مرور السنوات الست من الولاية الرئاسية.

أخذ الخيال باسيل وهو يعدد انتصاراته في الانتخابات، إلى وضعية أشبه بانفصام الشخصية، من شدة عدم احتماله أن يتفوق عليه حزب «القوات اللبنانة» بنائبين، بعد أن انصبّت جهود «حزب الله» مع حلفائه على تفادي هذه النتيجة بالتمكن من تأمين كتلة نيابية برئاسة باسيل يفوق عدد نوابها كتلة «القوات» ولو بنائب واحد. حتى الحزب اعترف بنجاح خصومه في التفوق على الأهداف الانتخابية التي خطط لها، وبحصول خليط خصومه على الأكثرية، ولو أن الأمين العام للحزب لم يشأ التسليم بذلك في قراءته الأولية بأن ما من فريق يستطيع الادعاء بأنه حصل على الأكثرية. وثمة من يعتبر أن التفوّه بأفكار من نوع إسقاط الطائف وكذلك الحدود الزمنية للرئاسات، بأنه أقرب إلى أوهام ينتجها تصاعد الذعر عنده من اقتراب نهاية الولاية التي سيفقد معها أختام الرئاسة التي ستؤول إلى غيره، في وقت هو معزول قبل تلك النهاية داخلياً وخارجياً، ويسعى إلى ضمان موقع له في المرحلة المقبلة، ولو عن طريق تمديد إقامة الرئيس عون في القصر الرئاسي. والذعر مصدره أنه معرّض لـ»عقوبات» محلية ومن تياره أيضاً لكثرة ممارسته الإبعاد ولعبة الأفخاخ والتسلط داخل التيار ضد أقرانه من النواب والوزراء والقياديين الذين سبقوه إلى التعلّق بالحالة العونية منذ نهاية الثمانينات وبداية التسعينات.

والأوهام أخذت باسيل، الغارق بوهم الانتصار، إلى حد الادعاء بأنه ساهم في إنجاح مرشح «حزب الله» رائد برو في دائرة جبيل كسروان، في وقت بات مسلماً به أن الحزب ساهم في إنجاح خمسة نواب من «التيار» بالأصوات الشيعية وحدها، وثلاثة آخرين في دائرة الشوف – عاليه بأصوات جيّرها لهم بالمونة على حلفائه. لكنه يسعى إلى شد عصب محازبيه بمزيد من التصعيد في خطابه السياسي لإثارة الغبار على النهاية التي يمكن أن ترسو عليها معركته ضد انتخاب الرئيس نبيه بري لرئاسة البرلمان ومحاولته الحصول على مكاسب مقابل تسهيل ذلك إذا قرر تعديل موقفه بناء لضغوط من الحزب، كما هو متوقع. وفي وقت بات معروفاً في الحسابات الواقعية لمواقف نواب كتلة «التيار الوطني الحر»، فإن عدداً من أعضائها سيصوتون لبري في كل الأحوال، سواء قرر باسيل إعطاء حرية الاقتراع لهم وفق ما يجري التداول به من مخارج، أو استمر على هذا الموقف. والعديد من نواب «التيار» بات يتصرف على أن بري سيكون رئيساً للبرلمان ولا يمكن للمناورات التي يقوم بها رئيسه، التي رغم وصفه العروض عليه بأن يكون نائب رئيس البرلمان من نواب الكتلة، بأنها «استرخاص» له. فهو قد يرضى بمخارج شكلية لموقفه، ليصبح مطلبه انتخاب من يسميه هو لنيابة الرئاسة، وليس من يجري التداول باسمه، من التيار والكتلة.