جدير بكل الثناء والتقدير اختيار اللجنة المنظمة لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب عميد الأدب العربي طه حسين، ليكون الشخصية المحورية لدورة المعرض هذا العام. ورائع أن نشاهد صورة العميد في أروقة المعرض وتحتها العبارة الدالة: «الكتاب بصيرة». ما من رجل في ثقافتنا العربية العربية الحديثة اقترنت حياته وسيرته بالبصيرة كطه حسين، فالرجل الذي فقد البصر وهو طفل، أضاء ببصيرته لا الزمن الذي عاش فيه فحسب، وإنما ما تلاه من أزمنة بعد رحيله، وستظل أجيال المستقبل في عالمنا العربي في حاجة لهذه البصيرة في المستقبل أيضاً، إن هي أرادت لمجتمعاتها حالاً أفضل من تلك التي كانت في زمن طه حسين، وهو زمن كان، ويا للمفارقة، أفضل حالاً من الزمن الذي بتنا فيه اليوم.

ولعلنا نجد شرحاً وافياً عن بصيرة طه حسين في الكلمة التعريفية التي نشرتها إدارة المعرض حين قالت إن الرجل «الذي فقد بصره في سنوات حياته الأولى، صاحب بصيرة تجلى بنورها نتاج لطالما أُثريت به العقول، وانشغلت بأثره القلوب والأفهام، بعدما أصبح في عصره والعصور التالية، شاغل النقاد والأدباء والمفكرين، ودليلاً على درب سلكه تلامذته، ومن نهموا من ميراثه المتمثل في مكتبة ثرية من المؤلفات والكتب القيّمة لا تزال تبوح بأسرارها المئات من رسائل الدكتوراه والماجستير والدراسات المهمة التي تقام حولها».

ومهما قرأنا للدكتور طه حسين، أو عنه، سنظل نكتشف فيه في كل مرة جديداً. ولا نحسب أن مفكراً عربياً موسوعياً مثله قدّم هذه المساهمة الجليلة من أجل تحرير العقل العربي في العصر الحديث، وما من مفكر مثله كرّس جهده المعرفي في صياغة مشروع نهضوي لمصر، وبالنتيجة للعالم العربي، قائم على العلم والمعرفة وقيم العقلانية والتنوير والحداثة، وما من مثقف يضاهيه في الإمساك بمناحي الثقافة العربية والأجنبية، فهو الأزهري الذي درس التراث بعمق وجدية وتبحّر فيه، وهو الدكتور من الجامعات الفرنسية، الذي حققت له مثاقفته سعة في الأفق.

لذلك فإن احتفاء معرض أبوظبي الدولي للكتاب بطه حسين احتفاء في وقته، ورسالة من الحاضر للتالي من الأيام والسنوات والعقود، إن أردنا كعرب أن نحقق ما نصبو إليه، وما صبت إليه أجيال قبلنا، من نهضة وتقدّم وحرية للعقل والتفكير، واستعادة لبواكير الفكر النهضوي العربي التي كان طه حسين شاهداً على بعضها، ومطوّراً لها في مجمل أعماله الأدبية والفكرية، فلا سبيل لنا غير السبيل الذي رسم الرجل ملامحه، كأننا به حين كتب «مستقبل الثقافة في مصر» كان يرسم خريطة الطريق الصحيحة لمستقبل الثقافة العربية عامة.