لم يعد سراً أن الطواقم الدبلوماسية الأميركية والسعودية تعمل منذ مدة بطاقة مضاعفة، من أجل تحقيق إنجاز على صعيد العلاقات الأميركية – السعودية. فبعد مرحلة طويلة شهدت تراجعاً خطيراً في العلاقات بين الولايات المتحدة وأهم حلفائها التاريخيين في المنطقة، وفي المقدمة المملكة العربية السعودية، تبدّلت وجهة الرياح من واشنطن على أساس قرار اتُّخذ على أعلى مستوى داخل الإدارة الأميركية من أجل إنقاذ علاقات واشنطن بحلفائها التاريخيين الكبار في منطقة الشرق الأوسط، أهمهم السعودية. وكانت العلاقات قد تردّت مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، حيث بقي أسيراً لوعوده ومواقفه خلال الحملة الانتخابية الرئاسية التي تأثرت كثيراً بنفوذ التيار اليساري الليبرالي في الحزب الديموقراطي، الذي لم يخف يوماً عداءه للسعودية وسياستيها الداخلية والخارجية. وقد اتّسمت الأشهر الأولى لولاية الرئيس بايدن بمواقف سلبية جداً تجاه المملكة، وانحياز غير معلن لسياسات صبّت في مصلحة طموحات إيران الإقليمية، لا سيما في ما يتعلق بالملف اليمني. فقد سارع الرئيس بايدن إلى رفع جماعة الحوثي عن لوائح الإرهاب، وضيّق على السعودية مشترياتها من السلاح، وذهب إلى حد الإعلان عن إجراء "مراجعة" لعلاقات الولايات المتحدة بالسعودية، الأمر الذي اتّسم بسلبية لم تعهدها العلاقات بين الحليفين الاستراتيجيين. بالطبع وصلت العلاقات الثنائية، حسب معظم المراقبين والدبلوماسيين المعنيين، إلى أدنى مستوياتها. ولم تعد إلى التحسن إلا مع مطلع العام الحالي، مع ارتفاع حدة التوتر الدولي الذي سبق غزو روسيا للأراضي الأوكرانية. فقرار سحب بطاريات "الباتريوت"المضادة للطائرات والصواريخ الذي اتُّخذ العام الماضي، عادت عنه إدارة الرئيس بايدن بعد تكثيف الحوثيين المدعومين من الإيرانيين هجماتهم بالصواريخ والمسيّرات على المنشآت المدنية في السعودية والإمارات. كما أن واشنطن عادت إلى تسليم كميات من الذخائر كانت قد طلبتها الرياض في إطار صفقات أسلحة سابقة. كل هذا أشار إلى تطور إيجابي، وخصوصاً مع اشتعال الحرب في أوكرانيا، ومسارعة الإدارة الأميركية إلى التواصل مع القيادة السعودية، طالبة منها رفع مستوى إنتاج النفط لتعويض النقص من النفط الروسي.
وبالرغم من ذلك، رفضت الرياض نقض اتفاقات مجموعة "أوبك بلس" التي تضم روسيا، ولم ترفع من مستوى إنتاجها، كما أن وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، حسب صحيفة "الوول ستريت جورنال" الأميركية، لم يرغب في تلقي اتصال هاتفي من الرئيس بايدن، بما عكس مدى تردي العلاقات بين البلدين، ورفض الأمير محمد بن سلمان التعامل من دون طرح مسألة العلاقات برمّتها على بساط البحث بهدف إصلاحها.

لا شك في أن الحرب الروسية على أوكرانيا عزّزت موقع المسؤولين الأميركيين الذين كانوا يعترضون على سياسة استعداء السعودية، حيث إن الإدارة الأميركية اكتشفت أن المواجهة مع روسيا في أوروبا، والتنافس الاستراتيجي مع الصين في شرق آسيا، يحتّم عليها أن تعيد ترتيب علاقاتها مع الحلفاء التقليديين، وفي المقدمة الحلفاء أصحاب الوزن الثقيل دولياً وإقليمياً.

شكلت زيارات المسؤولين الأميركيين المبعوثين من البيت الأبيض للرياض، مثل منسق شوؤن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البيت الأبيض بريت ماكغورك، ومبعوث وزارة الطاقة الأميركية آموس هوكشتاين، مناسبة مهمة لطرح الملفات التي تحتاج إلى معالجة بين البلدين. كما أن زيارة نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان الأخيرة لواشنطن، المحطة الأساسية التي فتحت الباب واسعاً أمام العمل الجدي لإنقاذ العلاقات الثنائية، ثم تحسينها، وبناء أسس متينة للمرحلة المقبلة. ومن هنا بدأ مناخ واشنطن يتبدل، فيما صار الحديث عن احتمال أن تشمل الرياض جولة الرئيس الأميركي جو بايدن المقررة إلى المنطقة بنهاية شهر حزيران (يونيو) المقبل. هذا تطور كبير، وينمّ عن بدء الخروج من مرحلة التردي في العلاقات بين البلدين. وبالطبع فإن الزيارة الرئاسية الأميركية للرياض التي بدأت ترتسم في الأفق، لا يمكن أن تتم من دون مقدمات. فالطرفان السعوي والأميركي يدركان أن الزيارة، وإعادة العلاقات إلى سابق عهدها، تتطلبان معاجلة ملفات عالقة بينهما. ومن الطبيعي أن يكون الجهد الآن منصباً على الملفات التي يجب أن تعالج قبل أي لقاء على مستوى القمة. وحسب موقع "آكسيوس" الأميركي، فإن الزيارة السرية الأخيرة التي قام بها مبعوثا الرئيس بايدن، ماكغورك وهوكشتاين للرياض، تناولت ملفات تتطلب حلولاً مسبقة، مثل قضية جزيرتي تيران وصنافير على مدخل خليج العقبة من خلال اتفاق بين السعودية، مصر وإسرائيل، بحيث تعود إلى السيادة السعودية. وقضية زيادة إنتاج النفط السعودي للمساهمة في خفض أسعار النفط في السوق العالمية وضبط مستويات التضخم عالمياً، وملف العلاقات الثنائية بين البلدين بعدما مرّت به من مطبات منذ انتخاب بايدن رئيساً. هذه الملفات مهمة جداً، وزيارة بايدن ولقاؤه الأمير محمد بن سلمان يفترض أنها ستأتي تتويجاً لتفاهمات، وانطلاق مسار جديد في العلاقات الثنائية.

قضية جزر تيران وصنافير التي أقرت مصر سنة 2017 بسيادة السعودية عليها، يمكن أن تكون مدخلاً لرفع منسوب التطبيع بين السعودية وإسرائيل. إسرائيل تسعى إلى تحقيق مكاسب على مستوى التطبيع مع السعودية. لكن المملكة لا تزال على موقفها الذي عبّر عنه وزير الخارجية خلال منتدى دافوس الأخير، قائلاً إن "التطبيع مع إسرائيل يجب أن يكون خاتمة مسار". بمعنى أن الرياض يهمها أن يتحقق تقدم جدي في مسار السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. من ناحيتها، ترى إدارة بايدن أن تحقيق خرق في قضية جزر البحر الأحمر سيعتبر خرقاً دبلوماسياً لها، ويفتح آفاق التطبيع بين السعودية وإسرائيل، باعتباره خطوة إلى الأمام في اتجاه "السلام الإبراهيمي".

كل ما سبق يشير إلى أن المناخ حول الرئيس الأميركي جو بايدن تبدّل لجهة القرار في إنقاذ العلاقات مع السعودية. صحيح أن موضوع الزيارة الرئاسية للرياض لا يزال مدار نقاش داخلي، حول "كيفية مقاربة العلاقات مع السعودية"، لكن الطرفين مهتمان بتحسين العلاقات الاستراتيجية. وزيارة بايدن إذا حصلت ستؤشر إلى خروج العلاقات من مرحلة التردي، ولا سيما أن الزيارة قد تتضمن، حسب مصادر دبلوماسية عربية، في برنامجها عقد قمة أميركية – عربية موسعة نادرة، يمكن أن تضم الرئيس بايدن إلى قادة السعودية، الإمارات، البحرين، قطر، عمان، الكويت، مصر، الأردن والعراق.
من الواضح أن العلاقات الأميركية السعودية تسلك طريقاً مختلفة، لكن يبقى أن تكون الاستفاقة الأميركية جدّية.