حسابات روسيا الخاطئة بأن الحرب ستنتهى فى خلال أسابيع قليلة لم تكن صحيحة، وحسابات أوكرانيا الخاطئة بأن الجيوش الأوروبية ستصل إلى أوكرانيا وتحارب روسيا ثبت خطؤها أيضًا.

الفارق بين حسابات روسيا الخاطئة وحسابات أوكرانيا الخاطئة أن الأولى حققت تقدمًا ونجاحًا بثمن أكبر مما توقعت، أما الثانية فهى التى تُهدم مدنها، وتخسر أرضها وبنيتها التحتية، حتى بات 20% من مساحتها تحت سيطرة القوات الروسية، وسقط عشرات الآلاف من القتلى، وهُجّر 4 ملايين مواطن أوكرانى خارج ديارهم.

والحقيقة أن السؤال الذى يطرحه البعض فى كثير من تجارب «المقاومة الخاسرة» يدور دائمًا حول: هل كان من الأفضل أن تُسوى أوكرانيا أمورها مع روسيا بدلًا من مواجهتها فى «حرب خاسرة»؟ الحقيقة أن هذا السؤال لا ينطبق على كل الحالات، فتجارب مقاومة الاستعمار التى شهدها العالم فى القرن الماضى مثلت فيها قيمة التحرر الوطنى قيمة عليا لكل الدول التى عانت من ويلات الاستعمار، بصرف النظر عن الفارق بين قوة الاحتلال والاستعمار، وقوى التحرر والمقاومة.

أما حالة الحرب الروسية- الأوكرانية فهى مثل تجارب أخرى لا تنطبق عليها نماذج الاستعمار الغربى التى عرفها العالم فى القرن الماضى، فروسيا لا تنوى احتلال أوكرانيا أو استعمارها إنما السيطرة على الشرق الأوكرانى الذى يرتبط أغلب سكانه ثقافيًا ولغويًا بروسيا وينوى الانضمام «للاتحاد الروسى»، كما أنها طالبت بحياد أوكرانيا وعدم انضمامها للناتو ومنع وصول أى أسلحة تعتبرها روسيا تهديدًا لأمنها القومى على حدودها.

المطالب الروسية كان يمكن للرئيس الأوكرانى أن يبحثها بجدية ويصل فيها لحلول وسط بدلًا من الرفض والتجاهل، الذى كان واضحًا أنه سيؤدى إلى مواجهة عسكرية ستكون كلفتها باهظة على روسيا، إلا أنها ستكون أكبر بكثير على أوكرانيا.

صحيح أن هناك جانبًا من هذه المواجهة يقوم على أن هناك قوة روسية غازية، وأن هناك شعبًا يقاومها ويدافع عن أرضه، وهو جانب حقيقى ومشروع، ولكن كان يمكن عدم الوصول إلى هذه النقطة بتقديم تنازلات وتطمينات حقيقية لروسيا تجعلها لا تُقْدم على هذه الخطوة بدلًا من الرهان على كسرها من خلال الدعم الغربى لأوكرانيا.

قضية الحرب الروسية على أوكرانيا الجانب الأكبر فيها يعود «للحسابات الخاطئة»، فخطاب الرئيس الأوكرانى ولغته فيهما من الكراهية الشخصية لروسيا والرغبة فى أداء دور البطل أكثر منها حسابات عاقلة، وإن تصور أن مزيدًا من الأسلحة الغربية لأوكرانيا سيؤدى إلى هزيمة روسيا غير واقعى، إنما سيؤدى إلى مد فترة الحرب وسقوط مزيد من الضحايا.

روسيا هى جار أوكرانيا وليس الولايات المتحدة، وبالتالى لابد من العمل على تأسيس علاقة حسن جوار وتفاهم يضع مصالح البلدين بعين الاعتبار، ويعتبر قضايا الأمن القومى لقوة كبيرة مثل روسيا مطالب مشروعة.