يتعاطى اللبنانيون بلامبالاة مع احتمال وقوع حرب إقليمية بين إيران وإسرائيل، أو حرب بين إسرائيل ولبنان (حزب الله). لامبالاة تتمظهر على مواقع التواصل الاجتماعي بسخرية سوداء، تعبر عن الألم والإحباط اللذين يعيشهما المواطن اللبناني الذي بات يفضّل ويلات الحرب على حالة البؤس التي يعيشها متأرجحاً على حبال الجوع وعدم الاستقرار والتفلت الأمني، وبخاصة العقم السياسي القاتل.

على وقع التوتر المتصاعد في المنطقة والمخاوف من اندلاع حرب ما في الإقليم، بعدما بلغ الاحتقان ذروته بين إسرائيل وإيران بسبب الملف النووي للأخيرة ووصولها إلى عتبة صنع قنبلتها النووية الأولى، مستغلةً تعثر مفاوضات فيينا، والتهديدات الإسرائيلية المعلنة وغير المعلنة بمنعها من تصنيع القنبلة، ينتظر اللبنانيون الحرب التي لن يكون بلدهم بمنأى عنها، ولربما يكون ساحتها "المفضّلة".

دأبت إسرائيل على تهديد لبنان بقصف غير مسبوق وتدمير بنيته التحتية تدميراً كاملاً واعادته مئة سنة إلى الوراء... وما شابه من تهديدات خبر اللبنانيون بعضها في الاعتداءات السابقة منذ 1967 وحتى عدوان تموز 2006. في الحروب التي شنتها إسرائيل أعوام 1978 و1982 و1993 و1996 و2005 دمّرت المطار المدني الوحيد ومحطات الكهرباء والجسور والطرق وشبكات الهاتف، وكثيراً من المؤسسات العامة والخاصة، فضلاً عن الأملاك الخاصة والأحياء السكنية والمواقع العسكرية. واليوم تهدد بما هو أدهى وأخطر.

لكن اللبنانيين اليوم يسخرون من التهديدات الإسرائيلية بإعادتهم خمسين سنة إلى الوراء، بل لعلهم يفضلون العودة خمسين سنة إلى الوراء، متذكّرين أنهم قبل خمسين سنة كانوا بأفضل حال قياساً إلى حلتهم المزرية وحال بلدهم اليوم. كتب بعضهم بمرارة أنه يتمنى عدواناً يعيده خمسين سنة إلى الوراء، "كانت هناك كهرباء وطرق وعمل وكان الدولار يساوي 3 ليرات"، فيما هو اليوم بحدود الثلاثين ألف ليرة. ناشطة فايسبوكية كتبت أنها لا تخشى ضرب المرافق، فهي لا تنتج شيئاً وأصبحت عبئاً، فما الضير في قصف شركة الكهرباء التي تستنزف المال العام ولا تنتج كهرباء لأكثر من ساعتين يومياً.

لا يخاف اللبنانيون من الحرب، لقد أذهلوا العالم في الحروب السابقة عندما كانوا يصعدون إلى السطوح لمتابعة غارات الطيران الإسرائيلي على أحيائهم ومؤسساتهم، تعوّدوا على أصوات الرصاص اليومية تصدر من بنادق وقاذفات صاروخية يطلقها مسلحون محميون من أحزاب وقوى نافذة في المدن والقرى في مناسبات الحزن والفرح وفي الخلافات الفردية والعائلية والحزبية، وترحيباً بطلات زعمائهم وعودة حجّاجهم وأعراس بناتهم وطهور صبيانهم.

كتب كريم "أول مرة بشوف شعب بكيّف بس يسمع بحرب، بتقولوا رايحين على ديزني"، وكتبت رولا "أي حرب مقبلة مع العدو الإسرائيلي لمصلحتنا، لا بنى تحتية عندنا، لا كهرباء، لا سياحة، ولا اقتصاد، منتصرين بإذن الله قبل ما تبلش الحرب". أما هبة فخافت على ألواح الطاقة الشمسية التي دفعت عائلتها "الفوقها والتحتها حتى ركبتها".

إنها قمة المأساة، أن يصل شعب إلى مرحلة التعاطي مع حرب محتملة مدمرة بهذه "الخفة". الحرب بطبيعتها مخيفة، بل مرعبة، واللبنانيون يعرفون ذلك تماماً وقد عايشوه، لكنهم يتذكرون الحرب ويقارنون وضعهم الحالي بما كانه أيامها. إنهم على شفا مجاعة لم يعرفوها لا في الحرب الأهلية ولا في حروب إسرائيل. لقد باتت أيام الحروب أرحم بهم من حرب الإفقار والتجويع وسرقة الأموال والمستقبل.

يسخر اللبنانيون من الحرب، نعم، لأنه لم يعد لديهم شيء يخسرونه، فماذا ينفع المنزل الواسع إذا كان الأولاد قد هجروه بلا عودة، وإذا كانت غرفه باردة وخزائنه فارغة وثرياته مطفأة، وماذا تنفع السيارة الجديدة إذا كانت بلا بنزين. يسخرون من الحرب كالطائر المذبوح يرقص من الألم.
يرقص اللبنانيون على نفير الحرب، ربما ينتظرون منها شيئاً مضمراً لا يجرؤون على البوح به، أو ربما ينتظرون الموت.
عندما يصبح البلد مقبرة لا خوف من الموت.