تتمدد ظاهرة الأقلام المُتسكعة في الوسط الصحافي بين بعض الكُتّاب، حتى بات الجزم بهذه الظاهرة ليس اتهاماً أو قولاً جزافاً، بل حقيقة واضحة البيان نأسف لأصحابها الواهمين.
أجزم بلا تردد بأن هناك بيئة من التحقير للآخر يعيش فيها بعض كُتّاب الأقلام المُتسكعة.. يتسكع هؤلاء بين وهم المعرفة في شتى ميادين الحياة والعلوم والتيارات الفكرية في الكويت وخارجها، في حين يتقمّص البعض الآخر من الكُتّاب الواهمين دور المرجع المُتحرر والمنفتح!

إن الثقة المفرطة التي تسيطر على الكاتب وآرائه تتحول إلى عالم من الخيال، خصوصاً حين تكون الآراء غير ناضجة، بل متهورة ومندفعة نحو توجيه سهام النقد غير الموضوعي لأفراد ومجاميع محددة بهدف التحريض والتحقير لا أكثر!

يؤدي الخيال في الوسط الصحافي عند بعض من يكتب باستمرار إلى الهذيان والتحقير بشكل ممل وممجوج عن موضوعات متكررة وشخصيات محددة، وعن سلوكيات شخصية لا ينبغي تعميمها صحافياً واجتماعياً.

ثمة اختلاف بين الجدل الفكري بغرض التصويب والتصحيح للمعلومات والتصدي للمغالطات والتناقضات التاريخية، وبين إثارة واجترار الجدل العقيم والسقيم، من دون إدراك حجم الانحراف في الرأي، بالمقارنة مع أقلام أخرى رصينة في النقاش والطرح والتعبير.

لست منتسباً سوى إلى المجتمع المدني واتجاهاته الفكرية المتحررة من القيود التقليدية والمبتكرة حديثاً، ولكنني في الوقت نفسه أحرص على احترام الآراء الأخرى، وعدم تحقيرها ولا تهميشها أو خلق معركة شخصية معها، حتى يسود الاحترام في المجتمع ككل، وبين الكُتّاب خاصة، باعتبارهم إحدى النوافذ المؤثرة في صياغة الرأي العام وقيادته بالقدر الممكن.

ثمة سلوكيات فردية، وكذلك قناعات في الحياة عموماً، التي ينبغي ألا تكون هدفاً للتعميم على العامة، والقراء تحديداً، فهناك اختلاف بين نشر التعددية الفكرية وتعميم السلوكيات الخاصة على الآخرين، بل فرضها عليهم من نافذة كاتب أو شباك قلم مُتسكع!

من الطبيعي أن يكون هناك تمايز فكري وتباين في وجهات النظر والمواقف تجاه قضايا معينة، ولكن هذا لا يبرر الكتابات ذات المقاصد في تحقير الآخرين والتحريض ضدهم، حتى لو اختلفنا معهم فكرياً، حتى لا تتفشى ظاهرة الاستقصاد الشخصية لأفراد معينين.

قد يكون زوال نهائي لظاهرة الكاتب المُتسكع تطلعاً صعباً، بل مستحيلاً عند من يسمع صدى صوته وقراءة سطور مستهلكة من نسيج خيال مصطنع.. لكن السكوت عن الهذيان اليومي يجعلنا جميعاً شركاء في الخطيئة الصحافية والانحراف الإعلامي ككل.

لا يجوز فرض الرأي، خصوصاً الواهم والمُتسكع على الآخرين، والقراء بصفة خاصة، حتى لا تشيع ظاهرة تسفيه آراء الآخرين وتحقيرهم والتحريض ضدهم لأسباب سلوكية فردية وليست فكرية!

نحن لا نستكثر على الكاتب المُتسكع توجيه سهام معوجة أساساً، وإنما نستنكر تقمص دور البطولة الإعلامية في الطرح الشاذ وإعلاء صوت النشاز والتحقير للآراء والتحريض ضدهم اجتماعياً.