المحاولات الجارية من أجل اتفاق على مرشح لرئاسة الحكومة، إضافة إلى ترشيح الرئيس نجيب ميقاتي للمهمة، أدت إلى حبس الأنفاس قبل 24 ساعة من الاستشارات النيابية لأن نجاح المحاولات للتفاهم على دعم شخصية أقرب إلى التغييريين ينقل المشهد السياسي في البلد إلى مكان آخر.

وفضلاً عن أن التوافق بين الكتل النيابية السيادية وبين النواب التغييريين وبعض المستقلين على اقتراح اسم جديد يمكن أن يغيّر الصورة التي كانت قائمة في الأيام الماضية، بأن الرئيس ميقاتي هو الأوفر حظاً لتقطيع المرحلة واستكمال الخطوات المطلوبة مع صندوق النقد الدولي ومتابعة مشروع تلزيم الكهرباء...، فإن خيار طرح بديل منه يغير أيضاً في وجهة الصراع على الإمساك بالسلطة السياسية في البلد في المرحلة المقبلة.

فالفريق الحاكم في قصر بعبدا يتشبث بالسلطة وبضمان مساحة من النفوذ له داخل أجهزة الدولة ومؤسساتها لممارسة دوره في العهد المقبل، وللحؤول دون الانتقاص من قوته التي بناها طوال عهد الرئيس ميشال عون، عند خروج الأخير من القصر الرئاسي في 31 تشرين الأول المقبل. والحكومة المقبلة القصيرة العمر هي وسيلته الوحيدة لتحقيق هذا الهدف البائس الذي يشكل المحرّك الوحيد لمواقفه في الأشهر الأربعة المقبلة.

احتمال التوافق بين القوى السيادية والتغييرية وعدد من النواب المستقلين على تسمية شخصية غير خاضعة للمقاييس السابقة قد ينقل اللعبة السياسية في البلد إلى منحى آخر. إذ إن نجاحها في ذلك يمنحها فرصة اختبار نموذج غير ذلك الذي اعتدناه في تشكيل السلطة التنفيذية، والذي قام على المحاصصة والزبائنية وتقاسم المصالح والحقائب الوزارية على أسس فئوية ومذهبية وعلى معايير بعيدة من الدستور، فضلاً عن معاكسة هذا النموذج للحاجة الملحة راهناً إلى قيام فريق وزاري متجانس وكفوء يرتاح المجتمع الدولي إليه ويشجعه على التجاوب معه في منح المساعدات، لمواجهة الوضع المأسوي الذي يعيشه اللبنانيون.

يفترض أن يلعب النواب التغييريون الـ 13 دوراً أساسياً في خلق الدينامية التي تسمح في الساعات المقبلة بالتوحد حول شخصية إصلاحية تتمتع بالنزاهة والكفاءة. فبعد ترشيح حزب «تقدم» (نائبان في كتلة التغييريين) القاضي في محكمة العدل الدولية السفير السابق في الأمم المتحدة الدكتور نواف سلام للمهمة، لحقه حزب «الكتائب» (4 نواب). كتلة التغييريين لم تحسم أمرها في اجتماعاتها بين ميل عدد من نوابها نحو ترشيح العضو فيها النائب ابراهيم منيمنة، وبين خيار الدكتور سلام لاقتراح اسمه في الاستشارات غداً. وهذا التأخر دفع قوى أخرى إلى التريث في دعم خيار سلام، الذي انضمّ إليه «اللقاء الديموقراطي».

تغيير قواعد اللعبة في تسمية رئيس الحكومة ثم في تشكيلها يطرح سيناريوات عدة محتملة:

الأول، أن يسعى «حزب الله» إلى تفادي حصول المرشح البديل لميقاتي، وخصوصاً سلام إذا نجح الالتفاف حوله، على الأكثرية. فالحزب يفضل أسلوب تدوير الزوايا الذي يعتمده ميقاتي ولا يحبّذ شخصية مستقلة مثل سلام. وهذا يعني ممارسة ضغوط على حليفه رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل كي يعود عن رفضه ميقاتي ويعطي أصوات تكتل «لبنان القوي»(18 نائباً) دعماً لتكليفه فيؤمن له الأكثرية. كما يعني ممارسة ضغوط على ميقاتي بدوره كي يقبل بـ»المساومات» مع باسيل، والتي كان أعلن رفضها.

الثاني، أن ينضم نواب «التيار الحر» إلى الكتل التي سمّت سلام خصوصاً أنه كان طرح اسمه قبل 10 أيام من بين عدة أسماء، أملاً في انتزاع ما لم يقبل به ميقاتي من مطالبه، وإلا تتم عرقلة تأليفه الحكومة لدفعه إلى الاعتذار، عن طريق رفض رئيس الجمهورية تشكيلته الحكومية.

الثالث، أن يسعى «حزب الله» إلى إقناع حلفائه بتسمية شخصية سنية أخرى، ما يسمح بانضمام «التيار الحر» إلى صفها لاستبعاد ميقاتي، ولاستبعاد خيار التغييريين والسياديين.

الرابع، أن ينضم النواب المسيحيون المستقلون وبعض السنة المستقلين إلى تسمية المرشح الذي يتوافق عليه التغييريون والسياديون كبديل لميقاتي، فيضمنون الأكثرية لصالحه، حتى لو أيّد «التيار الحر» منافسه الذي يطرحه «حزب الله»، فيتم تكليفه لاقتراح حكومة مستقلين كفوئين يرفضها عون بدوره، لإصراره على أن تكون سياسية كما قال بالأمس. (وهو ما يحبّذه الثنائي الشيعي أيضاً) ويدفع بذلك الرئيس المكلف من السياديين والتغييريين، إلى الاعتذار، فيكون التغييريون أعطوا نموذجاً للرأي العام، عن الحكومة المطلوبة للإنقاذ، والتي تفتح باب فرصة داخلية إصلاحية، وآفاقاً للتعاطي مع المجتمع الدولي والعربي، يتحمل عون و»الحزب» مسؤولية إجهاضها.