كم على الغرب الذي استعمرت بلدان مفصلية فيه قارات بكاملها أن يقدم من الاعتذارات لشعوب بلدان هذه القارات التي أخضعها لسلطته، وقبل ذلك هو مطالب بالاعتراف بما ارتكبه من فظائع بحق تلك الشعوب.

يتباهى الغرب بتحضره، ولسنا نجادل في أنه بلغ من التقدم والتحضر الشيء الكثير، الذي أفاد منه العالم ولا يزال، لكن السؤال الأخلاقي الكبير الذي على الغرب مواجهة نفسه به: كيف يستقيم هذا التحضر مع الصفحات السود من تاريخ علاقة الغرب بشعوب مستعمراته في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وغيرها؟ وعلى ذلك يترتب سؤال لا يقل أهمية: هل يحق للغرب أن يجعل من نفسه وصياً على حقوق الإنسان في العالم، يعاقب بلداناً بكاملها بإجراءات وتدابير فيها الكثير من التعسف بسبب خلافه مع حكوماتها، فيما هذا الغرب يهرب من الإقرار بانتهاكاته لهذه الحقوق، على مدار قرون، يوم كان مستعمراً لأجزاء كبيرة من العالم، بما فيها حقوق الإنسان في بعض البلدان التي يعاقب الغرب حكوماتها اليوم بحجة انتهاكها لحقوق الإنسان؟

إليكم هذا الخبر الطازج عن استعادة عائلة الزعيم الوطني الكونغولي باتريس لومومبا لآخر ما تبقى من جثته، بعد أن قتله المستعمرون البلجيكيون لبلاده، وهو عبارة عن سن من أسنان لومومبا مثبتة فوقه تاج ذهبي، ولم يعثر على هذه السن في رفات الرجل، ذلك أن قتلة لومومبا لم يتركوا له رفاتاً، فحسب تغطية تفصيلية لشبكة «بي.بي. سي» فإن لومومبا لقي مصرعه رمياً بالرصاص على يد فرقة إعدام في عام 1961، وبدعم ضمني من القوة الاستعمارية السابقة، بلجيكا، ثم دُفن جثمانه في قبر ضحل، ثم استُخرج من الأرض ونقل مسافة 200 كم، ليدفن ثانية، ثم تم استخراجه مرة أخرى وقُطع إرباً إرباً، وأخيراً ذُوب في مادة حمضية.

أما السن المذكورة فقد استولى عليها مأمور الشرطة البلجيكي جيرار سوتي الذي أشرف على عملية التخلص من رفات لومومبا، الذي اعترف لاحقاً بأنه أخذ إحدى أسنانه وأصبعين من يده أيضاً، ولم يجد هذا المأمور حرجاً في القول بأن فعله المشين هذا يحاكي تصرفات صدرت عن مسؤولين استعماريين أوروبيين على مدى عقود، قاموا هم أيضاً بالاحتفاظ بأعضاء جسدية على سبيل التذكار، مضيفاً أن تصرفه هذا كان يهدف أيضاً إلى توجيه إهانة أخيرة لرجل كانت تعتبره بلجيكا عدواً لها، وفي برنامج وثائقي يعود إلى نحو ربع قرن وصف هذا المأمور الأجزاء التي أخذها من جثمان لومومبا بأنها «نوع من أنواع غنيمة الصيد».