تمثل جولة ولي العهد الأمير الشاب محمد بن سلمان الأخيرة لكل من مصر والأردن وتركيا، امتداداً لاستراتيجية الحكمة والحصافة التي تتميز بها السياسة السعودية في تعاملها مع القضايا الدولية، والتي تميزت على المستويين الإقليمي والعالمي بالعديد من المتغيرات والتقلبات، وتستمد هذه الزيارة أهمية خاصة، ولاسيما في هذا الوقت الحرج الذي يشهد حرباً متقدة بين روسيا وأوكرانيا، التي أثرت بدورها على الاقتصاد العالمي، ومن هنا فإن تلك الزيارة تكتسب زخماً وحضوراً مميزاً لا يسعنا سوى إلقاء بعض الضوء على تفاصيله بالقدر الذي تسمح به السطور هنا.

بداية تمثل هذه الزيارة امتداداً للسياسة التي طالما تبنتها المملكة منذ تأسيسها، وهي سياسة التعاون والمشاركة مع دول الجوار لتنسيق المواقف التي تضمن استقرار المنطقة، إضافة إلى عقد صداقات وتحالفات قوية ومؤثرة مع المجتمع الدولي لكبح جماح التطرف وتقليم أظافر الإرهاب، وقد حرص الأمير محمد بن سلمان ولي العهد على مد جسور الصداقة والتعاون مع دول المنطقة وإزالة أي توتر في أي مجال سياسي أو اقتصادي، ولا أدل على ذلك من الجولات المتكررة لولي العهد شرقاً وغرباً، سواء إلى دول الخليج أو لغيرها من الدول الأخرى، في إشارة واضحة لمكانة المملكة المميزة وترحيب كافة دول العالم بعلاقتها معها.

من المؤكد أن تسارع وتيرة الأحداث بالعالم، ولا سيما خلال الآونة الأخيرة، جعل من الملح تماماً التكاتف والتعاضد في وجه تلك المتغيرات سواء كانت عالمية أو إقليمية، ولاشك أن زيارة الرئيس الأمريكي للمملكة الشهر القادم تتطلب تنسيقاً في الرؤى وتوحيداً للمواقف بين الدول المعنية في المنطقة، ومن هنا فإن جولة ولي العهد تكتسب أهمية خاصة كونها أشبه بحلقة وصل بين قوى المنطقة الإقليمية للتنسيق في ما بينها، ولتوحيد الجهود والرؤى في ما يتعلق بالقمة القادمة المقرر عقدها في الرياض، وبالتالي فإن جولة ولي العهد تؤكد على مكانة المملكة الإقليمية والدولية في مواجهة التحديات التي عصفت بالمنطقة وخاصة بعد المحاولات المتكررة للنظام الإيراني للتدخل في شؤون دول المنطقة.

وببعض التأمل في علاقة المملكة بالدول التي قام ولي العهد بزيارتها نستوضح جلياً عمق العلاقات التي تجمعها ببعضها البعض، فمصر والأردن -بخلاف العلاقات التاريخية العميقة وأواصر الأخوة والعوامل المشتركة العديدة التي تجمع بينهما وبين المملكة- تجمعهما مع المملكة الكثير من المصالح المشتركة، غير أن مشروع نيوم يعد المشروع الأحدث والأهم في تاريخ العلاقات بين الدول الثلاث، والذي تم إطلاقه برعاية ولي العهد منذ حوالى خمس سنوات في صورة مدينة استثمارية عملاقة متكاملة تمتد لمصر والأردن، أما زيارة ولي العهد لتركيا فهي -بلا شك- لإزالة أي شوائب طالت العلاقة بين البلدين خلال الفترة الماضية، والتي حاولت بعض الدول استغلالها من أجل نشر المزيد من الفوضى وللتغلغل في المنطقة، وبالتالي فإن تصفية العلاقات وحرص المملكة على التنسيق مع تركيا سيصب في مصلحة منطقة الشرق الأوسط عموماً ومنطقة الخليج العربي على وجه الخصوص.

لاشك في أن هذه الجولة تمثل نموذجاً مثالياً للتعاون الإقليمي المشترك لاتخاذ خطوة متماسكة في مواجهة الأخطار والتحديات العالمية والإقليمية، وهي بمثابة ورقة عمل منظمة لحماية المنطقة من التهديدات الإيرانية الموجهة ضد كافة دول المنطقة بل وموجهة ضد العالم أجمع أيضاً، وهي التهديدات التي تتطلب المزيد من العمل المنسق والجهد الحقيقي، فالتوسع الإيراني يمثل خطورة حقيقية ويضرب بلا اكتراث بكافة المواثيق والمعاهدات الدولية عرض الحائط، وهو الخطر الذي لم تنجُ منه دولة من دول المنطقة بلا استثناء، وإن لم يتم اتخاذ خطوة حاسمة وصارمة لقطع رأس الأفعى فإنها لن تتوقف عن التمدد والتسلل والتوغل داخل الجسد العربي.

خلال الفترة الماضية راهنت إيران على فرقة الصف العربي، ويتضح ذلك جلياً من خلال تتبع ما تبثه بعض دوائر الإعلام الموالية لنظام طهران، فالنظام الإيراني وأزلامه يتفننون في قلب الحقائق والصيد في الماء العكر وتوسيع هوة الشقاق والخلاف بين دول المنطقة، لكن قيادة المملكة راهنت على الحكمة وعلى ردم هوة الخلاف بين دول المنطقة، ومن المؤكد أن زيارة ولي العهد الأخيرة كانت رسالة واضحة وقوية بأن إيران تراهن دائماً على الباطل وأن المملكة العربية السعودية في المقابل تراهن على الحق، ومن الملاحظ أنه في الوقت الذي تشهد إيران عزلة دولية ونفوراً عالمياً، تفتح دول العالم ذراعيها لولي العهد لتستقبله بحفاوة تليق به وبمكانة وثقل المملكة، لتسطر المنطقة صفحة جديدة في التاريخ الحديث يسودها الاحترام المتبادل والتعاون المشترك وتلاقي المصالح.