وُضع أمام طفل صندوق عليه علامة لماركة شهيرة من الحلوى وطلب منه أن يفتح الصندوق. أخذ الطفل الصندوق وفتحه فوجد فيه شرائط بألوان مختلفة ولم يجد فيه الحلوى التي كان يتوقعها. أدرك الطفل لحظتها أن الصندوق الذي فتحه قد فتح من قبل، وأن المسألة خدعة. بعد خروجه سئل عن طفل آخر دخل بعده سيمر بالخدعة نفسها: هل تظن أن الخدعة ستنطلي عليه؟ أي هل سيفتح الكيس ظناً أن الذي به حلوى كما ظننت أنت أم سيظن أن بها شرائط؟ أجاب أن الطفل الآخر سيظن الصندوق معبأ بالشرائط. وعندما سئل عن نفسه قبل أن يفتح الصندوق: ماذا كنت تظن في الصندوق قبل فتحه؟ فأجاب كنت أظن أن به شرائط.

أجري اختبار الحلوى على عدد من الأطفال وكانت النتيجة مماثلة. كانت إجابة الطفل المفاجئة دليلاً أن معرفته بحقيقة ما في الصندوق منعته من القدرة على تصور ما يمكن لغيره من الأطفال أن يتصوروه قبل فتح الصندوق، بل إنه نسي هو نفسه ما كان يتصوره قبل فتح الصندوق. لا شك أن البالغين عموماً أقدر من الأطفال على إدراك ما يتصوره الآخرون بناء على تجاربهم الشخصية، لكنهم ليسوا بأحسن كثيراً في حالات أخرى. ففي حالات كثيرة ننسى بعد أن نتعلم مهارة جديدة أو معلومة مهمة، كيف كنا قبل ذلك. فكما في حالة الطفل، بمجرد أن نعلم الحقيقة ننسى أننا كنا نجهلها، كما أننا نفقد القدرة على الإدراك أن غيرنا يجهلها كما كنا نجهلها تماماً.

يؤثر هذا النوع من الانحياز المعرفي على إدراكنا لأشياء كثيرة من حولنا. فإذا تعلمت استخدام حاسوب جديد، وطلب منك أن تقدر الوقت الذي سيأخذ من غيرك ليتعلم ما تعلمته أنت، فإنك غالباً ستخطئ في التقدير. فقد تبالغ في سهولة استخدام الحاسوب الجديد لأنك نسيت ما تعلمته، فأنت تستخدم الحاسوب وتنفذ خطوات كثيرة دون أن تشعر. كما إذا تعلمت كلمات جديدة لم تكن تعرفها من قبل، سواء لأنك تقرأ أكثر من غيرك، أو لأنك الوحيد بين أقرانك من يديم النظر في القواميس، فإنك ستعجب ممن يقرأ قصيدة جاهلية ولا يفهم كلماتها. في كل الحالات، لدينا شعور عام أن ما ندركه لا يختلف كثيراً عما يدركه غيرنا، وأن التجارب التي مرت بنا ليست مختلفة كثيراً عن تجارب غيرنا، وننسى أننا مع الوقت نتغير باستمرار.

نسيانك لما تعرف نعمة ونقمة في الوقت ذاته. فهي نعمة لأنه أدعى للنمو، فعندما تنسى ما يميزك عن غيرك، فهو دافع لك في طلب المزيد. ولكنه نقمة كذلك، لأنك تنسى أن غيرك يختلف عنك وقد يحتاج إلى مساعدتك. وفوق ذلك كله، علينا أن نكف عن لوم أنفسنا أو غيرنا عندما ندرك بعد الخطأ ما لم نكن ندركه قبل وقوعه.