الأعوام القريبة السابقة لم تكن أعواما سمانا على العالم بأسره، بل كانت أعواما عجافا واجه العالم فيها أزمات حقيقية في كثير من الجوانب وعلى رأسها بلا شك الاقتصاد والصحة. جائحة كورونا لم تكن ظرفا عابرا، بل كانت حدثا جللا وأزمة حقيقية ألقت بظلالها على الاقتصاد العالمي الذي لم يكن في أحسن حالاته قبل تفشي هذا الوباء. هي ظرف استثنائي بلا شك يتطلب قيادة استثنائية للتعامل معه وتخفيف وطأته وتقنين آثاره السلبية الآنية والمستقبلية بعد انحساره، سواء كانت آثارا صحية أو اقتصادية أو اجتماعية أو غيرها. صناع القرار في العالم كانوا يتعاملون مع معادلة معقدة جدا خلال الجائحة للموازنة بين صحة الشعوب واقتصاد أوطانها، ولم يكن اتخاذ القرارات سهلا عليهم.
قيادة السعودية لم تتأخر قيد أنملة للقيام بكل ما يمكن القيام به للحفاظ على أرواح كل من يمشي على تراب هذا البلد الطاهر مواطنين ومقيمين، وقدمت كل ما يمكن تقديمه من أجل الإنسان وصحته بعيدا عن "معادلة الربح والخسارة"، وما تم القيام به من رعاية صحية ودعم سخي للاقتصاد السعودي هو أنموذج مشرف يشار إليه بالبنان، ولا تكفيه عشرات المقالات. إمدادات الطاقة وسلامتها وديمومتها من أهم القضايا التي تشغل العالم بأسره، وتؤثر بصورة مباشرة وغير مباشرة في جميع الدول منتجين كانوا أم مستهلكين وإن كان الأثر متفاوتا، حيث إن لكل دولة ظروفها الاقتصادية والسياسية الخاصة بها، وبالتالي يختلف تعاطي هذه الدول مع التغيرات المتسارعة والظروف الطارئة التي تهدد هذا القطاع المهم وأعني هنا قطاع الطاقة. خلال جائحة كورونا كان النفط الخاسر الأكبر بين القطاعات الأخرى، حيث انخفض الطلب عليه بصورة حادة بلغت نحو 22 في المائة، ما تعادل 23 مليون برميل يوميا، بسبب الجائحة التي تسببت في شلل الاقتصاد العالمي، والإقفال الجزئي أو الكلي في جل دول العالم، ما أدى إلى تراجع الطلب على النفط وانخفاض أسعاره ووصوله إلى أرقام تاريخية. السعودية كانت في الموعد كعادتها، فقد لعبت دورا محوريا وضبطت إيقاع أسواق النفط بخطوات متناغمة، ما أسهم بفاعلية بعد -توفيق الله- في حمايتها من التقلبات التي تعدى ضررها المنتجين وصولا إلى المستهلكين.
تعاملت السعودية بتوجيهات القيادة الرشيدة، وجهد استثنائي للأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة، وتعاون أعضاء "أوبك+" مع هذه الأزمة الاستثنائية، باستثنائية وكفاءة عالية رسمت أنموذجا حقيقيا للتعامل مع الأزمات وإدارتها بحكمة وموضوعية ونظرة استشرافية دقيقة. التعاطي الحكيم مع متقلبات أسواق النفط أدى إلى رفع أسعار النفط من 19.3 دولار للبرميل في نيسان (أبريل) 2020 إلى 65 دولارا للبرميل تقريبا بعد عام، وإلى أكثر من 125 دولارا بعد عامين. التعاطي السعودي مع الأزمة الروسية الأوكرانية وقبل ذلك جائحة كورونا هو بمنزلة درس مجاني في مهارات القيادة وموضوعية استشراف المستقبل، وسلامة التخطيط وجودة التنفيذ.