قام رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بزيارة إلى المملكة العربية السعودية التقى خلالها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، ثم أتبعها بزيارة إلى العاصمة الإيرانية طهران التقى خلالها المسؤولين هناك، ومما رشح عن تلك الزيارتين محاولة للوساطة لتنقية الأجواء وتخفيف التوتر في المنطقة، عبر الحوار بين المملكة العربية السعودية وإيران. المحاولات العراقية لم تتوقف خلال السنوات الماضية، خصوصاً مع وصول السيد الكاظمي إلى منصب رئاسة الوزراء، الكاظمي يحظى باحترام وتقدير من السعودية، حيث ترى فيه المملكة شخصية وطنية يعمل مخلصاً لحل الأزمات الجمة التي تعصف بالعراق. وجهة النظر العراقية أن الأزمات في العلاقات البينية في المنطقة تنعكس سلباً على العراق وعلى أوضاعه الداخلية، وكلما نحا الإقليم باتجاه حل الأزمات وتبريدها وتخفيف التوتر، كلما أعطى ذلك أرضية مريحة للحكم في بلاد الرافدين. صحيح أن الأزمات في العراق هي أزمات بنيوية، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله، فهناك إمكانية للتخفيف من أثر تلك المعضلات، ولعل أهمها هي المعضلة الأمنية. من المفارقات أن المملكة العربية السعودية في فهمها وفي منهجها تراهن على الدولة الوطنية، وهذه نقطة خلاف أساسية مع إيران، فهذه الأخيرة تراهن على مجموعات ما قبل الدولة، بل وتدعمها عبر قنوات غير شرعية بعيدة عن الدولة الوطنية سواء المليشيات في العراق أو الحوثي في اليمن أو حزب الله في لبنان وغيرها. استعادة الدولة الوطنية لن تكون مسألة سهلة بعد سنوات من العبث في النسيج الاجتماعي في دول المنطقة بما أثر سلباً على الأمن والاستقرار في المنطقة برمتها. من نافلة القول إن الوصول إلى استعادة الدولة لوجودها ودورها عبر الحوار والمفاوضات الداخلية وعبر كف الدول يدها عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، كل ذلك سوف يجنب هذه الدول والمنطقة برمتها سيلاً من الدماء، والمملكة لا تدخر جهداً في مد يد الحوار لجميع من يريد الوصول لهذا الهدف، بالرغم من تراكم تجارب الحوار غير المشجعة. أما الملف الآخر فهو سباق التسلح الذي تريد طهران إطلاقه فهو لن يخدم أحداً، وسيعود على إيران نفسها بالعواقب الوخيمة، وهنا نتحدث عن جانبين: الأول هو البرنامج النووي والقلق الذي يسببه لدول المنطقة وغياب الثقة بالوعود الإيرانية خصوصاً مع زيادة نسبة التخصيب والجوانب السرية التي تسعى إيران إلى إخفائها، ودول المنطقة تؤيد الوصول إلى اتفاق يعطي ضمانات حقيقية، وإلا فإن البديل هو إيجاد توازن استراتيجي والدخول في سباق نووي المنطقة بغنى عنه. والشق الثاني هو برنامج الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية التي تمثل تهديداً للمنطقة برمتها، وفي هذه أيضاً هناك تهديد بسباق التسلح الذي بدأ بالفعل. الحوار الجاد للوصول إلى منظومة أمنية يمكن أن يكون نافذة ليس لحل الأزمات كما نتمنى جميعاً، ولكن على الأقل لإدارتها. أما فكرة الحوار من أجل الصورة فهذه لن تنفع وقد جربتها المنطقة خلال العقود الماضية، حوار تكون نتيجته ابتسامات أمام الكاميرات، ولكن تبقى المخاوف، والأسوأ أن طهران تستغل هذا الحوار للاستمرار في سياساتها المقلقة، كل ذلك لن يكون مجدياً.

المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمير محمد بن سلمان مستمرة بجهودها على صعيد المنطقة؛ لإعادة الاستقرار والابتعاد عن التوتر ونزع فتيل الأزمات كلما أمكنها إلى ذلك سبيلاً.