تتجه إسرائيل إلى انتخابات نيابيّة جديدة هي الخامسة في نحو ثلاث سنوات ونصف السنة. من الآن إلى موعد الانتخابات وربّما إلى أشهر بعدها، ستكون إسرائيل في ظلّ حكومة انتقالية برئاسة يائير لابيد. سيحل لابيد، وزير الخارجيّة حاليا، مكان رئيس الوزراء نفتالي بينيت الذي يبدو أنهّ قرّر الابتعاد عن السياسة لأسباب عائليّة.

يظهر أن موعد الانتخابات الإسرائيليّة المتوقعة سيكون في أواخر تشرين الأوّل – أكتوبر المقبل أو في مطلع تشرين الثاني – نوفمبر. لا سؤال منذ الآن سوى هل يعود بنيامين نتنياهو إلى موقع رئيس الوزراء في ضوء الانتخابات المقبلة… أم يتمكن يائير لابيد من تشكيل حكومة جديدة تشبه الحكومة الحاليّة التي فيها تنوّع كبير؟

سيحتاج لابيد إلى صوتين في الكنيست الجديد كي تكون لديه أكثريّة وكي ينهي الحياة السياسيّة لـ”بيبي” الذي شكل ظاهرة في تاريخ الدولة العبريّة كونه الشخص الذي شغل موقع رئيس الوزراء أكثر من أيّ سياسي آخر. تعطي السنوات الطويلة التي أمضاها “بيبي” في موقع رئيس الوزراء فكرة عن تفاهة السياسة الداخليّة الإسرائيليّة بعدما سيطر اليمين عليها منذ العام 2000 نتيجة فشل القمة التي انعقدت في كامب ديفيد بين الرئيس بيل كلينتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود باراك والزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

ليس مستبعدا بقاء لابيد طويلا على رأس حكومته الحالية، استنادا إلى ملاحظات وردت في مقال صادر عن “معهد واشنطن للشرق الأدنى”، وهو من بين أبرز مراكز الدراسات في العاصمة الأميركيّة. ستعيش إسرائيل في ظلّ حكومة لابيد فترة لا بأس بها. لفت المقال إلى أنّها المرّة الأولى منذ العام 2009 التي لا تكون فيها على رأس الحكومة الإسرائيليّة شخصيّة يمينية. فلابيد، وهو صحافي سابق، ينتمي إلى الوسط. سيساعد ذلك في منع المزيد من الأعمال الاستفزازية في الضفّة الغربيّة والقدس، أقلّه مؤقتا. هذا، على الأقلّ، ما تدفع في اتجاهه إدارة جو بايدن التي لا تستطيع إعطاء الفلسطينيين شيئا باستثناء إبقاء الأمور القائمة على حالها.

ستكون إسرائيل قادرة على التعايش مع التغييرات التي تمرّ بها المنطقة والعالم، لا لشيء سوى لأنّ اليمين فيها أفلس سياسيا فيما لا يستطيع اليسار والوسط الإقدام على أيّ مبادرة من أيّ نوع في اتجاه السلام مع الفلسطينيين المنقسمين على أنفسهم أكثر من أيّ وقت.

كلّ ما يمكن قوله في هذه الأيّام إنّ الانتخابات الإسرائيليّة لن تقدم ولن تؤخر بعد أن نجحت {الجمهوريّة الإسلاميّة} في إيران في تغيير كلّ قواعد اللعبة في المنطقة بمساعدة أميركية

إلى إشعار آخر، ستبقى الكلمة الأولى والأخيرة في إسرائيل للمؤسسة الأمنيّة – العسكريّة التي سيكون عليها التركيز على الملفّ الذي يهم الدولة العبريّة قبل غيره، أي الملف الإيراني. بقي لابيد أم عاد نتنياهو مجددا، هناك أمران لن يتغيرا. أولهما الجمود في الجانب الفلسطيني والآخر الحرب الخفيّة الدائرة مع “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران الساعية للحصول على السلاح النووي والمزيد من الصواريخ من جهة وتعزيز وجودها في المنطقة، خصوصا في جنوب سوريا ولبنان من جهة أخرى.

ثمة ترابط بين الجمود الفلسطيني والحرب الدائرة على نار خفيفة بين إسرائيل وإيران. فقد دفعت إيران، التي عارضت دائما العملية السلميّة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، في اتجاه أخذ المجتمع الإسرائيلي إلى اليمين. نجحت، عبر العمليات الانتحاريّة التي نفذتها “حماس” في تغيير طبيعة المجتمع الإسرائيلي نهائيا. لم يكن وصول أيهود باراك إلى موقع رئيس الوزراء في العام 1999 سوى فترة استراحة قصيرة تخللتها قمة كامب ديفيد مع ياسر عرفات وانسحاب من جنوب لبنان، بناء على وعد قطعه باراك لناخبيه.

ما لبث اليمين الإسرائيلي أن استعاد المبادرة إلى أبعد حدود مع وصول أرييل شارون إلى موقع رئيس الوزراء في مطلع العام 2001 إثر القرار القاضي بعسكرة الانتفاضة الفلسطينية.

منذ العام 2001 إلى يومنا هذا، لم يتغيّر شيء في إسرائيل. كلّ ما في الأمر أنّ المنطقة كلّها تغيّرت في ضوء القرار الذي اتخذه جورج بوش الابن في العام 2002 بغزو العراق. وقد نفّذ القرار في ربيع العام 2003 وكان خطوة أولى على طريق التغيير الجذري في التوازن الإقليمي ودفع إيران في اتجاه المزيد من العدائية في مجال تنفيذ مشروعها التوسعي.

لم يعد من معنى للانتخابات الإسرائيلية. لن يتغير شيء فلسطينيا بعدما باتت إيران تسيطر على “حماس” التي تسيطر بدورها على قطاع غزّة. تأتي “حماس” برئيس المكتب السياسي لـ”حماس” إلى بيروت كي يهدّد بفتح جبهة جديدة مع إسرائيل. تعرف إسرائيل قبل غيرها أنّ الإنجاز الوحيد الذي حققه هنيّة يتمثّل في الخروج من غزّة والعيش في منفى للتمتع بنوع من الرفاه..

لعلّ التطور الأهمّ في المنطقة، منذ قررت “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران الاندفاع أكثر في تنفيذ مشروعها التوسّعي، التقارب بين إسرائيل ومجموعة من الدول العربيّة التي بات همّها محصورا في الدفاع عن نفسها وحماية أراضيها بسبب التحدي الإيراني. أخذ هذا التحدي بعدا جديدا بعدما تحول جزء من اليمن إلى قاعدة للصواريخ والطائرات المسيّرة الإيرانيّة.

كلّ ما يمكن قوله في هذه الأيّام إنّ الانتخابات الإسرائيليّة لن تقدم ولن تؤخر. كلّ ما في الأمر أن “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران نجحت في تغيير كلّ قواعد اللعبة في المنطقة بمساعدة أميركية. نعم، بمساعدة أميركيّة قائمة على حسابات خاطئة. كيف كان ممكنا لإدارة أميركية شنّ حرب على العراق من دون التفكير لحظة في الطرف الذي سيستفيد من تلك الحرب ومن قيام نظام جديد لا علاقة له من قريب أو بعيد بالديمقراطية، بل جعل العراقيين يترحمون على نظام رجل متخلّف مثل صدّام حسين؟

صارت لعبة الانتخابات الإسرائيلية من نوع الألعاب الممجوجة. اللعبة الوحيدة في المنطقة ما العمل مع إيران وإلى أين ستصل الحرب الخفيّة الدائرة بينها وبين إسرائيل في وقت يبدو جليّا أنّ الوضع في الجنوب السوري لا يبشّر بالخير في ظل ازدياد النشاط الإيراني المباشر وغير المباشر فيه..