الغيوم السياسية تُفارق الأجواء العربية، حالة زخم وتقارب غير مسبوق تشهدها المنطقة الآن، التوقيت يحتاج إلى هذا النوع من الرشد والحكمة، الشرق الأوسط يواجه تحديات كبرى، تطابق الرؤية والاستراتيجيات بات خياراً إجبارياً، من أجل البقاء والاستقرار، والحفاظ على فكرة الوجود الوطني. نظام عالمي جديد له قواعده الخاصة. الذكاء العربي يتطلب استثمار الفرصة لحجز مقاعد متقدمة في المعادلة الجديدة.

في الأيام الأخيرة استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي بالقاهرة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، بقدر أهمية العلاقة بين البلدين، جاءت أهمية الزيارة، حول الملفات والقضايا الحيوية للمنطقة. تكتسب زيارة سمو الشيخ عبدالله بن زايد إلى مصر أهميتها من محاور عدة يأتي في مقدمتها، أنها جاءت وسط حراك عربي غير مسبوق بين القاهرة والعواصم العربية الأخرى، وأن الزيارة جاءت قبل أيام من استعداد الشرق الأوسط، لاستقبال ساكن البيت الأبيض الرئيس الأمريكي جو بايدن، منتصف الشهر الجاري، وهذه الزيارة لها دلالاتها، ومكاسبها المشتركة، ومصالح أطرافها سواء، بالنسبة للولايات المتحدة أم للمنطقة العربية، وبالتالي، فإن تنسيق المواقف العربية، على مختلف الصعد، مهمة تتطلب مثل هذه التحركات من أجل المصالح العربية، في ظل التطورات، والأوضاع الإقليمية، والقضايا المشتركة بين البلدين.

مصر تعرف جيداً قيمة العلاقات الراسخة منذ عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وتبذل قصارى جهدها لتعزيز التضامن بين الدول العربية، والدفع قدماً بالعمل العربي المشترك، والإمارات لم تدخر جهداً لخدمة وتوطيد العلاقات الاستراتيجية، بما يحقق المصالح المشتركة، ويعزز الأمن والاستقرار للمنطقة.

التنسيق بين مصر والإمارات تاريخي ودائم ومستمر، ويمثل ثنائية مهمة وقوية في صياغة العمل العربي المشترك، فدائماً تعملان على مد خط التعاون العربي على استقامته، من أجل تجاوز الصعوبات التي تمر بها المنطقة، فالإمارات شريك رئيسي واستراتيجي لمصر في الحلول المستقبلية في القضايا والملفات والتحديات التي يمر بها العالم العربي، ما يدعو للتوقف أمام التضافر المصري الإماراتي.

إن شراكة البلدين لا تقتصر فقط على شراكات اقتصادية واستثمارية وصناعية، بل إنها تتسع، لتشمل مجالات أوسع، سياسياً وأمنياً.

غير أن هذه الشراكات تتزامن مع متغيرات كبرى «جيوسياسية»، و«جيو اقتصادية»، يمر بها العالم، وتفرض قواعد جديدة، لا شك أن المنطقة العربية ستكون جزءاً منها.

القضايا التي تمت مناقشاتها جاءت مناسبة من حيث التوقيت الذي يشهد متغيرات متلاحقة على مختلف الصعد إقليمياً وعالمياً، في مقدمة هذه القضايا تلك التي تتعلق بالحفاظ على الأمن القومي العربي، والبحث عن الحلول السياسية، لتهدئة العواصم ومناطق الصراع التي لا تزال تئن من الأزمات المستمرة منذ ما يسمى بـ «الربيع العربي»، ومواجهة التحديات التي باتت تشكل خطراً على العالم أجمع، ومن بينها التي تتعلق بالأزمات الاقتصادية الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية، وتداعيات جائحة كورونا، فضلاً عن فتح الآفاق، ودعم العلاقات الاقتصادية بين البلدين في مجالات عدة، والوقوف عند سبل تأمين الأمن الغذائي، وتوفير سلاسل الإمداد، وتعزيز القيمة النسبية للدول العربية في قطاعات الطاقة، والنقل والموانئ، والسياحة. والتركيز على أهمية الانحياز لمفهوم التسامح والسلام والحوار في إدارة الأزمات العربية، بعيداً عن لغة البنادق.

لا شك أن زيارة سمو الشيخ عبدالله بن زايد إلى القاهرة، إنما هي رسالة تنطلق من ميراث عميق، ورثه الأبناء عن حكيم العرب تجاه مصر، وتقوم على الثقة المتبادلة بين الدولتين في اللحظات المهمة التي تمر بها المنطقة العربية.