دخلت تونس في يوليو الحالي ثلاثة مسارات إصلاحية تمتد حتى العام 2025، وتندرج ضمن رؤية استشرافية تمتد إلى عام 2035، وتسعى من خلالها لاستعادة الثقة باقتصادها، وإرساء دعائمه، لتمكينه من امتصاص الصدمات المحلية والخارجية التي تؤثر على علاقاتها العربية والدولية، وخصوصاً مع دول الاتحاد الأوروبي التي تعتبر أهم شركائها التجاريين.
عاشت تونس نحو عشر سنوات بعد الثورة، تمكنت خلالها من استكمال مراحل الانتقال السياسي، وقطعت شوطاً كبيراً في مسيرة تحقيق الديمقراطية التي برزت بنتائج انتخابات العام 2020 في أرقى تجلياتها عندما أبعد التونسيون مرشحي الأحزاب، وأحدثت صناديقُ الاقتراع ما وصفه المراقبون بـ«زلزال سياسي» وألحقت ضربةً موجعةً بالنخبة السياسية الحاكمة، وأدى ذلك إلى انتخاب المرشح المستقل قيس سعيد رئيساً للجمهورية. لكنها لم تتمكن من تحقيق نقلة اقتصادية توازي ما تحقق سياسياً، حيث ما تزال الأزمات الاقتصادية تمثل مشكلةً أمام الحكومات المتعاقبة التي لم تنجح في تحقيق أهداف مخططين إنمائيين، الأول 2011-2015، والثاني 2016–2020.
ولمواجهة هذه التطورات السلبية، وفي سياق خطتها الإنقاذية، تستعد تونس لإنجاز حدثين مهمين، أولهما: البدء في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي لصياغة اتفاقية تتضمن برنامج مساعدات وقروض بقيمة 4.3 مليار دولار لتمويل عجز الموازنة، وللوفاء بالتزاماتها الدولية، مقابل تنفيذ إصلاحات هيكلية للاقتصاد الوطني تتعلق بتسوية أوضاع المؤسسات العامة التي تعاني من خسائر متراكمة، ورفع الدعم عن أسعار المحروقات وبعض السلع الاستهلاكية، وإصلاح نظام الجباية، وتخفيض كتلة الأجور في القطاع العام التي تسجل أعلى كلفة في العالم.
ورغم رفض الاتحاد العام للشغل خطة الصندوق، فإن برنامج الحكومة الإصلاحي يشمل رفع الدعم عن المواد الأساسية تدريجياً، وإلغاءَ دعم المحروقات والغاز والكهرباء بنهاية عام 2026، مع الأخذ في الاعتبار ارتفاع فاتورة الاستيراد نتيجةَ تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، إذ إن كل زيادة بدولار واحد في سعر برميل النفط تكلف ميزانية الدولة 41.3 مليون دولار سنوياً.
أما الحدث الثاني الذي تسعى تونس لإنجازه فموعده 25 يوليو الجاري، حيث يجري الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد الذي يعد «دستوراً اقتصادياً» بعد ما فشل دستور عام 2014، الذي كان دستوراً «سياسوياً»، في مواكبة الأزمات ومعالجة تداعياتها.
لذا يركز الدستور الجديد على الجانب الاقتصادي ويخصص له أحكاماً مهمةً في «الباب الأول» تحت عنوان «أسس النهوض بالاقتصاد». ويتضمن مبادئ بتحرير المبادرة الخاصة من القيود الإدارية، وتحقيق العدالة الضريبية كمدخل رئيسي للعدالة الاجتماعية، بعدما تبين أن الضغط الضريبي مرتفع ويصل 35% مما يرهق الأُجراءَ وأصحاب الشركات ويعيق الاستثمار، بينما المطلوب معالجة «التعثر الاستثماري» وتوفير الحوافز لجذب المستثمرين، وخلق الثروة وفرص العمل عبر حزمة تدابير ضرورية لاستعادة الثقة، وتحسين مناخ الأعمال وتنشيط الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وإذا كانت مفاوضات تونس المرتقبة مع صندوق النقد هي بداية استعادة ثقة المانحين الدوليين، فإن الاتحاد الأوروبي كان سبّاقاً إلى تقديم مساعدة لدعم الموازنة التونسية للعام الجاري بقيمة 513 مليون يورو، موزعةً بين هبات بقيمة 213 مليون يورو، وقروض بنحو 300 مليون يورو. وهي تعكس أهمية الاستثمار الأوروبي، حيث توجد 3000 شركة أوروبية من أصل 3700 شركة أجنبية تستثمر نحو 10 مليارات دولار في تونس.