منذ العام الأول لقيام ثورة الخميني كان نظام الملالي المستفيد الأكبر من أزمات المنطقة والعالم. والسبب البسيط هو احتراف طهران اللعب في منطقة تتلاقى فيها المصالح الغربيّة (الأميركيّة) مع أزمات المنطقة ليلعب بوصفه إمّا مشعلا لها أو مشاركا فيها، وهكذا تمرّس نظام الملالي منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي في إجادة التلاعب بتناقضات الأحزاب المتصارعة في واشنطن، وعواصم أوروبيّة بدءا من أزمة الرهائن وقتها، ثم كان أن لعبت طهران أدواراً مركّبة اثناء الجهود الغربيّة لطرد السوفييت من أفغانستان في الثمانينات واستفادت من أطراف الصراع، وفي التسعينات كان هدوء طهران الأكبر في حرب تحرير الكويت ضمن تحالف مريب مع واشنطن في غزوها للعراق عام 2003 لإسقاط صدام حسين ونظامه، وكان الثمن تسلّم العراق من الأيادي الأميركيّة وتحويله إلى مسرح عبثي للميليشيات التي يشرف عليها الحرس الثوري.

ومن قبل وبعد ما يسمى بالربيع العربي ومع فورة "الفوضى الخلاقة" عربيا توغّلت الميليشيات الإيرانيّة، وذيولها، في المنطقة وهيمنت على القرار الوطني في لبنان وسورية والعراق واليمن، ومع تفجّر أزمة الحرب في أوكرانيا في فبراير 2022 تحركت طهران على أكثر من مستوى بتراخٍ أوروبي، وموافقة أميركيّة مضمرة سواء في مجال مخالفة قوانين العقوبات الغربيّة في مبيعات النفط، أو في مجال الابتزاز بطلب مراجعة الاتفاق النووي وفق شروط جديدة مستغلة حاجة الغرب لمواجهة موسكو، على الجانب الآخر رأت طهران الفرصة سانحة للاستفادة من المخاوف الروسيّة والصينيّة وحاجتهما إلى حلفاء فكثّفت التصريحات واللقاءات مع الطرفين تحت عنوان تعزيز التعاون الأمني، وتنفيذ الاتفاقيات الاستراتيجيّة التي وقعتها طهران مع كل من بكين وموسكو.

مع روسيا تسعى طهران في الوقت الحاضر للمساومة رغبة في الحصول على الطائرات المقاتلة Sukhoi-5 ونظام الدفاع الصاروخي S-400 باستغلال ظروف الأزمة الأوكرانيّة، طهران تفعل ذلك مع موسكو لمناورة الغرب موظِفة التجانس بين البلدين في سورية، واستغلالا للمعادلة السياسيّة الروسيّة الثابتة التي تقول إن إيران "موالية للغرب" أخطر بكثير على روسيا من إيران النوويّة. أمّا مع الصين فعلى الرغم من تفضيل الصين للنفط الروسي منخفض الثمن، وتركها ناقلات النفط الإيرانيّة وهي تحمل نحو 40 مليون برميل نفط تجوب بحار آسيا بحثا عن مشترين، إلا أن طهران بقيت تغازل بكين وموسكو معا، وآخر المناورات تقدمها بطلب رسمي للانضمام إلى نادي روسيا والصين ضمن مجموعة بريكس (BRICS)، وفي الوقت ذاته تمارس التلاعب مع الغرب هنا وهناك من خلال تكثيف النشاط الدبلوماسي والدعاية السياسيّة للحصول على مكاسب سريعة من الأزمة في أوكرانيا قبل فوات الأوان.

  • قال ومضى:

كل ثعلب مخادع لا بد يوما ويصرعه خداعه..