حين استيقظت مصر في 30 يونيو عام 2013، لم تكتف بإعادة الحياة والروح والوعي بإسقاط حكم «الإخوان» الذين كادوا يسلبونها هويتها، لكنها أعادت دفة ترتيب أوراق عديدة في المنطقة العربية وبقية العالم.

كشف المصريون في مثل هذه الأيام قبل تسعة أعوام الوجوه الأخرى الكثيرة لجماعات الإتجار بالدين، وعلى رأسها «الإخوان». فهذه الجماعة لم تنشر فكرها الأسود وفتنتها الخبيثة في مصر فقط، بل نثرتها في مشارق الأرض ومغاربها.

وقدمت نفسها لدول عديدة في الغرب باعتبارها البديل «الديموقراطي» المنظم، وإن لم تكن بديلاً فهي يمكن أن تكون حليفاً قادراً على الإبقاء على الدول والشعوب منقسمة على نفسها، في حالة استعداد دائم للانهيار والتحلل.

نزول ملايين المصريين لشوارع المحروسة وميادينها في 30 يونيو وحتى 3 يوليو 2013، حين أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي وقت كان وزيراً للدفاع الانحياز لثورة الشعب وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة ضمن عدد من النقاط الأخرى التي شكلت خارطة لطريق مصر الجديدة.

والحديث عن «مصر الجديدة» لا يستوي أبداً دون الحديث عمن دعموا ومستمرون في دعمها ومساندتها ومؤازرتها وكل الأفعال المشتقة من الدعم والسند بالإضافة إلى مفردات الأخوة فعلاً لا قولاً.

وتأتي دولة الإمارات على رأس قائمة السند والأخوة. والسند ليس دعماً مالياً فقط. السند الحقيقي والأخوة الفعلية أشبه بخط المشاعر المفتوح الذي يصل القلوب ببعضها. صحيح إن حديث المشاعر غير معترف به في السياسة وليس من عناصر الاقتصاد، لكنه راسخ رسوخ التاريخ في الأرض، ولن يشعر به إلا من جربه.

عقب نزول الملايين من المصريين في الشوارع والميادين يوم 30 يونيو والأيام التالية، وفي عز أيام عدم اليقين ورفع المصريين راية الثورة، خرجت الإمارات لتكون الدولة الأولى التي تعلن كامل الدعم لشعب مصر.

حل سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، ضيفاً في مصر يوم 4 أغسطس من العام الحاسم نفسه 2013. كان وسيظل أول مسؤول عربي يزور مصرنا العزيزة عقب نزول ملايين المصريين الشوارع مطالبين إسقاط حكم جماعة إرهابية خائنة. وكانت الزيارة رسالة جريئة شجاعة حاسمة بدعم خيارات الشعب المصري. والحقيقة إن رسالة الزيارة لم تصل فقط دوائر صناعة القرار الغربية، لكنها استقرت في كل بيت مصري معارض لحكم «الإخوان».

ولم تكتف الإمارات بذلك، بل وقف سموه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 28 سبتمبر من العام نفسه ليعلن تقديم كامل الدعم لمصر واقتصادها. وفي تلك اللحظات الحرجة، قدمت الإمارات لمصر سلسلة من المساعدات المقدرة بمليارات الدولارات.

واليوم، وبعد مرور تسع سنوات، مازال المصريون يستحضرون كلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري في مارس عام 2015. يومها قال سموه: «يعلمنا التاريخ أن مصر عندما تكون قوية فإنها قادرة على بث الحياة في الأمة وتجديد نهضتها. مصر هي كنانة الرحمن، وموطن السلام، وقلب العروبة. فيها خير أجناد الأرض وبها ومعها يصنع التاريخ».

وأشار سموه إلى كلمات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بأن «النفط العربي لن يكون أغلى من الدم العربي»، وأنه «لا وجود للأمة العربية بدون مصر، ولا يمكن لمصر أن تستغني عن أمتها العربية». وتظل هذه الكلمات ترن في آذان الملايين من المصريين، وهي الكلمات التي تجعل من علاقة مصر والإمارات عصية على الفهم لدى أولئك المقيدين بقواعد السياسة والاقتصاد والمصالح فقط. وأشير هنا إلى «خط المشاعر المفتوح» غير القابل للتفسير بحسب مراجع السياسة والاقتصاد.

نستحضر أحداث وحوادث مثل هذه الأيام قبل تسعة أعوام بكل تفاصيلها، وهي تفاصيل حية ترزق في ذاكرة الملايين ووجدانهم. لا يستقونها من كتاب تاريخ أو تحليل مكتوب، بل من وقائع عاشوها بأنفسهم ومجريات رأوها بأعينهم.

كل عام ومصر محررة من قبضة تجار الدين والمصالح والخراب. وكل عام وبين مصر والإمارات خط مشاعر مفتوح.