قبل ستة أعوام من الآن، في مثل هذه الأيام المباركة، يوم الإثنين العاشر من شهر ذي الحجة عام 1437 هجرية، الموافق للحادي عشر من شهر سبتمبر عام 2016 ميلادية، كتبت في هذا المكان مقالاً تحت عنوان «أمة تنتحر». كان المقال عن حال الأمة الذي وصفه الشيخ عبدالله بن بيه، أحد أكبر علماء الأمة المعاصرين، وقتها بأنه كارثي.

وفي مثل هذه الأيام المباركة أيضاً، يوم الإثنين التاسع من شهر ذي الحجة عام 1439هجرية، الموافق للعشرين من شهر أغسطس عام 2018 ميلادية، كتبت مقالاً في هذا المكان تحت عنوان «أمة تختنق». كان المقال عن حال الأمة أيضاً.

قلت فيه إننا أمة تختنق بأفكار الظلاميين المارقين الذين يدعون إلى العنف والقتل وإبادة الجنس البشري، ويدّعون أنهم وحدهم من يمثل الأمة، وكأنهم هم من تلقى الوحي من السماء، أو من كُلِّف بأداء الرسالة وهداية البشر.

وفي التاسع من شهر ذي الحجة عام 1442 هجرية، الموافق للتاسع عشر من شهر يوليو عام 2021 ميلادية، كتبت في هذا المكان أيضا مقالاً تحت عنوان «أمة تنتظر». قلت فيه إننا أمة ما زالت تنتظر من يقرر لها مصيرها بعد أن مرت بكل هذه الأزمات والانتكاسات والخيبات، ولم تتعلم منها دروساً تنفعها في قادم الأيام.

واليوم، ونحن ما نزال نستشعر بركة الأيام التي عشناها خلال موسم حج هذا العام 1443 هجرية، الموافق لعام 2022 ميلادية، يجدر بنا أن نقف على حال الأمة لنتبين أين وصلنا، وإلى أين نحن ذاهبون، وسط ما يعصف بالعالم من أزمات وحروب وتكتلات تضع البشرية على مشارف أزمات صعبة، وحرب عالمية لو قامت، لا قدّر الله، ستقضي على الأخضر واليابس، وتخلّف رماداً ذرياً لا يبقي ولا يذر، في زمن نحن أحوج ما نكون فيه إلى الاستقرار، كي نستطيع تجاوز الأزمات السياسية والصحية والأخلاقية التي تعصف بنا، ونمضي في مسيرتنا نحو المستقبل بأقل الأضرار.

وكي تتضح لنا الصورة، لنأخذ مثالاً واحداً للمخاطر الكثيرة التي تحيط بنا، وهو حالة الأمن الغذائي في العالم. يقدم أحدث تقرير صادر للأمم المتحدة عن حالة الأمن الغذائي والتغذية، نشر الأسبوع الماضي، أدلة جديدة على أن العالم يبتعد أكثر فأكثر عن تحقيق هدف القضاء على الجوع وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية بجميع أشكاله.

يقول التقرير إن عدد الأشخاص الذين يعانون الجوع في العالم قد ارتفع إلى حوالي 828 مليون شخص في عام 2021، أي بزيادة قدرها نحو 46 مليون شخص منذ عام 2020 و150 مليون شخص منذ تفشي جائحة كوفيد19.

ويذكر التقرير أن حوالي 2.3 مليار شخص في العالم (29.3 في المئة) قد عانوا من انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد في عام 2021، أي 350 مليون شخص إضافي مقارنة بما قبل تفشي جائحة «كوفيد19»، وأن حوالي 924 مليون شخص (11.7 % من سكان العالم) قد عانوا من انعدام الأمن الغذائي الشديد، ما يمثل زيادة قدرها 207 ملايين شخص في غضون سنتين. وتشير التوقعات إلى أن حوالي 670 مليون شخص (8 في المئة من سكان العالم) سيظلون يعانون من الجوع في عام 2030، حتى لو حصل انتعاش اقتصادي عالمي.

لا يرسم التقرير الذي صدر أثناء الحرب الجارية في أوكرانيا، والتي يشارك فيها اثنان من أكبر البلدان المنتجة للحبوب الأساسية والبذور الزيتية والأسمدة في العالم، صورة مستقبل يبعث على الاطمئنان في مجال الأمن الغذائي، وهو واحد من مجالات كثيرة تقوم عليها حياة البشر، الأمر الذي يدعونا إلى تفقد مواقع أقدامنا في ظل الاستقطاب الذي يعمل على جرنا إلى هذا المعسكر أو ذاك.

وهو استقطاب يستهدف الجزء الذي ما زال سليماً ومتماسكاً من جسمنا العربي والإسلامي، بعد أن عصفت الحروب الداخلية والثورات بأجزاء من هذا الجسم ومزقتها، وأعادتها سنوات إلى الوراء، حتى أصبحت تحتاج معجزة لترميمها وإعادتها إلى ما كانت عليه قبل هذه الحروب والثورات، رغم سوء حالتها قبلها، لكنها كانت أفضلَ مقارنةً بما وصلت إليه.

نستطيع أن نقول إذاً، ونحن ما نزال نتنفس عبق هذه الأيام المباركة: إننا أمة تتطلع إلى لملمة ما تبعثر من كيانها، للوقوف في وجه الطوفان الآتي، والتصدي لكل ما يحاك لها من مؤامرات، بعضها من القريبين منها، وبعضها الآخر من البعيدين عنها شرقاً وغرباً، أمة تأمل في الخروج من هذا المأزق بأقل الخسائر، وهي مهمة صعبة، لكنها ليست مستحيلة.