«استعان» الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله «بصديق» أول من أمس حين استشهد بمطالبته من قبل حليفه رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل بأن يأتي من إيران بباخرة فيول من أجل الكهرباء، فيفرج الأميركيون عن استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن، كما قال. استجاب نصرالله لما طالبه به باسيل وأبدى الاستعداد لجلب الفيول مجاناً شرط موافقة الحكومة اللبنانية على ذلك.

قبل أكثر من سنة وشهر كان باسيل وبحركة مسرحية، استعان ومن على شاشة التلفزيون أيضاً، بالصديق نصرالله في مسألة خلافه مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري على تأليف الحكومة وحصته ورئيس الجمهورية فيها، قائلاً إنه «يأتمنه على الحقوق»، فاستجاب الأمين العام للحزب، لكن الحلول التي اقترحها لم تثمر، لأنها كانت لمصلحة باسيل. استفاد من باسيل من أجل تجديد عرض يعرف سلفاً أنه غير قابل لأن يكون حلاً مستداماً، فاشترط أن توافق الحكومة اللبنانية عليه. وهو يدرك سلفاً أن قبول هبة من هذا النوع يحتاج قراراً من مجلس الوزراء الذي هو في فترة تصريف الأعمال، وأن تشكيل الحكومة الجديدة يتولى «الصديق» باسيل وضع الشروط عليه ويحول دون أن ترى الحكومة النور.

إنها دوامة الاستعانة المستمرة للصديقين الحليفين ببعضهما البعض، في تبادل الخدمات الذي دأبا عليه خلال السنوات الست الماضية. ومع اختلاف ظروف هذه المرحلة، ومع أفول العهد الرئاسي الذي أعار سيده أختامه لباسيل، فإن يأس الأخير من تحقيق حلم ضمان الاستمرارية، ولعلمه بأن ترشحه للرئاسة مرفوض لكثرة عداواته، يحتفظ لنفسه بموقع الحليف الأقرب لـ»حزب الله» ليجد من يحمي مكتسباته في المرحلة الجديدة المقبلة، سواء كانت نتيجة تسوية، أو بسبب حرب يلوح بها نصرالله.

فهو مثل «حزب الله» الذي أبلغ من يلزم من الدول أنه ليس لديه ما يخسره نتيجة الضغوط التي يتعرض لها مع إيران في المنطقة، إذا اندلعت الحرب بحجة الدفاع عن حقوق لبنان النفطية والغازية، وإذا تعذرت تسوية ما في المنطقة تنعكس على لبنان ويكون الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية فاتحة لها، فتنقذ البلد من مواجهة كارثية.

أما إذا نجحت جهود التسوية وتدوير الزوايا، فإن الحزب سيكون شريكاً فيها سواء على مستوى العلاقة الإيرانية السعودية، أو على مستوى التفاهمات الأميركية الإيرانية... ولذلك فإن باسيل يتأبط ذراع الحزب فيؤيد إطلاق المسيّرات بحجة أنها قوة للموقف اللبناني، ويتولى إعلام تياره الهجوم على القوى السياسية والمراجع الروحية المسيحية التي تدافع عن البطريركية المارونية، ويتناغم مع خطاب مناصري الحزب حيال قضية النائب البطريركي الماروني المطران موسى الحاج، بالحديث عن العمالة لإسرائيل... وإذا نجح الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين في ابتداع صيغة تقبل إسرائيل بموجبها بالعرض اللبناني الأخير للخط 23 +، في ترسيم الحدود البحرية، فيستفيد من تجييرها كإنجاز للعهد الرئاسي قبيل نهايته، مثلما يمكن للحزب أن يجيرها إلى ضغوط المقاومة وتهديدها بالحرب، وبالتالي لدور إيران من ورائه.

في زمن التحولات التي تشهدها المنطقة، والانقسام الدولي العميق بفعل حرب أوكرانيا قد لا تنفع المناورات التي يقوم بها بعض الفرقاء المحليين بحثاً عن مواقع لهم بعد أن حققوا مكاسب نتيجة فلتة شوط. لكنه زمن يستدعي ترقب مدى إفادة لبنان منه (لا بعض الفرقاء) إذا غلبت لغة التسويات ولو الموقتة، على لغة الحرب، بالتزامن مع عهد رئاسي جديد.

البعض يتساءل عما إذا كانت واشنطن سترد للبنان الدولة، أي لبنان الرسمي الممثل بالحكومة، موقفه الذي أصدره في 5 تموز الماضي برفض إرسال «حزب الله» المسيّرات إلى حقل كاريش باستجابة إيجابية لعرضه في التفاوض على الحدود البحرية، عبر الضغط على إسرائيل كي تنهي المسألة الحدودية، أم أنها ستساير كما في كل مرة تل أبيب وستعطي تمريرة لـ»حزب الله» كي يذهب إلى المواجهة العسكرية مهما كان شكلها؟