على ماذا يراهن بعض الفرقاء اللبنانيين في توقع إنجاز الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية قبل نهاية أيلول المقبل، في وقت لم تبرز بعد أي معطيات جدية عن قبول إسرائيل بالعرض اللبناني أن يكون الخط 23 + هو خط الحدود البحرية مع إسرائيل يضاف إليه التعرج بما يشبه نصف دائرة قبالة حقل قانا بحيث يصبح بكامله ملكية لبنانية؟

يستبق المسؤولون اللبنانيون وصول الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت في الأيام المقبلة من أجل نقل الموقف الإسرائيلي من هذا العرض بتوقع إيجابيات من الجواب الذي سيحمله، على رغم أن التسريبات الإسرائيلية تميل إلى السلبية في التعاطي مع العرض اللبناني الذي حمله هوكشتاين إلى إسرائيل قبل شهر وعشرين يوماً.

إلا أن التوقعات الإيجابية اللبنانية تستند إلى الأجواء التي حرص الجانب الأميركي سواء عبر اتصالات هوكشتاين أو عبر ما نقلته السفيرة في بيروت دوروثي شيا من أن هناك عدم رفض إسرائيلي للعرض لكن مع بعض الملاحظات. وما تسرب عن تلك الملاحظات هو أن الجانب الإسرائيلي لم يسلم في شكل كامل بأن يعود الخط المتعرج بموازاة قانا إلى إحداثية الخط 23 في عمق البحر، ويبذل جهده للحصول على مقابل المساحة التي يكسبها لبنان من حقل قانا والتي تتجاوز الخط 23 ، بحيث إما يتم التشارك في كميات الغاز والنفط التي يتم استخراجها من البلوك 8 أو بتولي شركة «إنرجين باور» التي تستثمر في حقل «كاريش» الحفر والاستثمار في ذلك البلوك بحيث تحصل إسرائيل منها على مقابل...وهما أمران لا يبدو أن لبنان يقبل بهما. فالرؤساء الثلاثة اتفقوا حين قدموا العرض الأخير لهوكشتاين بعدم التنازل عنه.

الجانب اللبناني يستند في أجواء التفاؤل التي يبثها بعض مسؤوليه، إلى معطيات لديهم بأن واشنطن تمارس ضغطاً فعلياً على المسؤولين الإسرائيليين كي يقبلوا بالعرض اللبناني وإنهاء الإشكال القائم حول الحدود البحرية، نظراً إلى الأولوية التي توليها إدارة الرئيس جو بايدن لمسألة ضمان البدائل من الغاز الروسي لأوروبا، من غاز الشرق الأوسط، بدءاً بحقل كاريش الإسرائيلي.

كما أن الاعتراض اللبناني لدى واشنطن بأنها تساير إسرائيل في رفعها شكوى ضد لبنان في مجلس الأمن رداً على إطلاق «حزب الله» المسيرات في 2 تموز الماضي فوق حقل «كاريش»، لقي صدى لدى الإدارة الأميركية. فالشكوى الإسرائيلية جاءت بعد أن استجاب لبنان الرسمي مع إلحاح هوكشتاين والسفيرة شيا على المسؤولين لإصدار بيان حكومي برفض إطلاق «حزب الله» المسيرات. وحين استجاب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بو حبيب واعتبرا هذا العمل خارج مسؤولية الحكومة ودبلوماسية التفاوض حول الحدود، كوفئا بالشكوى. وتفهم الجانب الأميركي هذا الاعتراض، ودعا إسرائيل إلى تقديم التنازلات في شأن ترسيم الحدود.

تشير المعطيات إلى أن القادة الإسرائيليين استخدموا الحجة نفسها التي استخدموها حين طالبتهم الأمم المتحدة والدبلوماسية الأميركية قبل سنوات بالانسحاب من مزارع شبعا المحتلة وتسليمها إلى قوات الأمم المتحدة موقتاً، ريثما تتم معالجة مسألة ملكيتها بين لبنان وسوريا، باعتبارها غير خاضعة للقرار 425 بل للقرار 242 المتعلق بالأراضي العربية المحتلة. وهذه الحجة كانت أن هذا سيعد انتصاراً لـ»حزب الله»، في حين كان الدافع الأميركي والدولي واللبناني أن هذا الانسحاب ينزع من الحزب ذريعة الإبقاء على سلاحه بحجة تحرير المزارع.

تذرُّع تل أبيب مرة أخرى بأن التجاوب مع العرض اللبناني حول الخط 23 + سيكون انتصاراً للحزب بعد تهديدات أمينه العام السيد حسن نصرالله بالحرب لمنع إسرائيل من استخراج الغاز من «كاريش» إذا لم يُحسم أمر الترسيم قبل أيلول، لم يجد قبولاً لدى واشنطن حتى لو صح أن الحزب سيستفيد من التسوية. وتقول الرواية إن الجانب الأميركي سأل المسؤولين الإسرائيليين، «إذا كنتم تعتقدون أن التسوية ستعد انتصاراً لـ»حزب الله» لماذا انتظرتم هذه المدة ولم تقبلوا بالعرض اللبناني قبل أن يهدد «حزب الله؟».

في التقييم الأميركي للمرحلة التي بلغتها المفاوضات حول الترسيم أنه حتى لو اعتبر الحزب أن قبول العرض اللبناني انتصار له فإن النتيجة النهائية هي أن واشنطن بحاجة لتأمين استخراج الغاز من «كاريش»، وإسرائيل بحاجة لذلك ولبنان سيستفيد حكماً نظراً إلى أوضاعه الراهنة فهو يحتاج إلى فسحة أمل باستكشاف الثروة النفطية والغازية في البحر، وكل هذه الإيجابيات تفوق أهمية إعلان الحزب أنه انتصر. ولذلك لا بد من التجاوب الإسرائيلي مع العرض اللبناني، لأن قيام مواجهة عسكرية لوح بها الحزب يقوض كل هذه الأهداف.

زيارة هوكشتاين ستكشف مدى نجاح الضغط الأميركي على تل أبيب، لكنها تؤشر أيضاً إلى تلاقٍ أميركي مع «حزب الله» على تحقيق الانتصارات، كل من زاويته.