نطرح سؤالين. أولا، لماذا ارتفعت أسعار المساكن فوق قدرة المواطن، كما وصفها وزير الإسكان؟ ثانيا، كيف يمكن للبورصة العقارية معالجة اختلالات السوق؟ إجابة السؤال الأول تكمن في فهم ميكانيكية نظامنا الاقتصادي المعتمد على إنفاق الحكومة والوظائف العامة، احتفظ موظفو الحكومة والقطاع الخاص بمدخراتهم في العقار وتحول العقار إلى بنك مدخرات مجتمعي، سواء للاكتناز أو للمضاربة بدلا من السوق المالية المصممة لامتصاص الفوائض المالية من المجتمع، كما دفعت شركات عائلية وشركات مساهمة بفوائضها المالية إلى سوق الأراضي والعقارات، ولا سيما أن معظم أرباحها مشتريات حكومية أو عقود مشاريع بنية تحتية، وفي الوقت نفسه تسرب جزء من مكاسب مضاربات الأسهم إلى العقار المحلي بدلا من بقائها في سوق المال. وعلاوة على ما سبق، أسهمت مزادات العقار المقصورة على العقاريين دون الأفراد في تعطيش معروض الأراضي الجاهزة للاستهلاك النهائي وذهبت إلى ملاك الفوائض المالية للمضاربة، ومع نقص عدد المطورين المحترفين وشح الأراضي المطورة، تحولت برامج الإسكان المدعومة إلى محفزات إضافية في حمى مضاربات الأراضي على حساب التكلفة النهائية لمسكن الأسرة، كما أدت أسعار العقارات المرتفعة إلى ضعف الاستثمار في القطاعات الأخرى وسرعان ما تأثرت الصناعة بذلك، التي يفترض أن تحقق تنوعا اقتصاديا وترفع صادراتنا من الناتج المحلي غير النفطي، وقد أشار وزير الصناعة إلى هذا الخلل، وحمى أسعار العقارات المرتفعة قلصت استفادة الاقتصاد من الصناعة والخدمات وتحقيق التنوع الاقتصادي والتوظيف إذا ما تمت مقارنة ذلك بحجم الديون العقارية والكفاية الحدية للاستثمار marginal efficiency of investment وأسعار الفائدة.
أعتقد أن الإجابة عن السؤال الثاني أصبحت واضحة، ربما نجد في البورصة العقارية فرصا واعدة وآفاقا جديدة لإعادة توازن وشفافية الأسواق العقارية عبر الحد من المضاربات وفرط تملك الصكوك من المضاربين، سواء كانوا أفرادا أو عوائل تجارية، وتقييد ملكية عدد صكوك الأراضي والمساحات وتحديد الاستخدامات ومنع مزاحمة الشركات للمواطنين على الأراضي السكنية الجاهزة للبناء، وفي الوقت نفسه البورصة العقارية ستحمي السوق من المزادات التي تستحوذ على الأراضي قبل وصولها إلى المستهلك النهائي ومنع تجفيف المعروض بالجملة، كما أن للبورصة العقارية خصائص تجعلها سوقا ثانوية لتداول الرهون العقارية، وإذا ما نقلنا عبء تقييم المساكن والأراضي إلى البنوك والممولين، عبر إلغاء ضمانات رواتب المواطنين ومستحقات نهاية خدماتهم وسندات لأمر والاكتفاء بالعقار مقابل تمويله، فبطبيعة الحال ستحد هذه المنهجية من المبالغة في تسعير الأصول العقارية واستغلال الدعم السكني وتعطي مساحة أكبر لتمويل القطاعات الأخرى وتوفر أسعارا تنافسية للمستثمرين الحقيقيين، كما أن الأموال الزائدة للأسر وفوائض أرباح الشركات ستنتقل إلى مكانها الصحيح في الأسواق المالية، وفي نهاية المطاف، كل ما سبق لن يغني عن زيادة معروض الأراضي المطورة وعدد المتنافسين ودعوة كبار المطورين الأجانب وخفض نسبة الاستقطاع من الرواتب إلى 33 في المائة، أي حدود آمنة تضمن جودة الحياة للأسرة.