تتقدم العلاقات التركية - الروسية بسرعة قياسية. والقمة التي جمعت، الأسبوع الماضي، كلاً من الرئيسين، رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين، رسمت صورة واسعة لعلاقات متوازنة بين بلدين متعاونين- متنافسين في الوقت نفسه.

والبلدان متعاونان نظراً لحجم العلاقات الاقتصادية الثنائية بينهما، والتي تتوسع باستمرار، ويتوقع لها مسؤولو البلدين أن ترتفع لتصل خلال سنوات إلى مئة مليار دولار. وتعتمد تركيا أيضاً على روسيا في إمدادات الغاز الطبيعي والنفط، إضافة إلى ما تستورده من إيران وأذربيجان. ويأتي بناء روسيا لمفاعل نووي هو الأول في تركيا في منطقة آق قويو، قرب مرسين، ليدخل التعاون في مرحلة نوعية كان سبقها انتهاء مد خط التدفق التركي للنفط والغاز من روسيا إلى غرب إسطنبول، ومنها إلى أوروبا كما جاء التعاون العسكري في صفقة «إس 400» ليضع هذا التعاون في مصاف ثابت وقوي.

ومن مظاهر التعاون بين البلدين، الاتفاق الذي وقعته روسيا وأوكرانيا، برعاية تركيا والأمم المتحدة، لنقل الحبوب من أوكرانيا عبر سفن تبحر من ميناء أوديسا الأوكراني إلى ميناء إسطنبول، ومنه إلى العالم، في ما وصف بالممر التركي الذي يفترض أن يخفف من أزمة الحبوب العالمية.

وظهر التعاون التركي – الروسي حتى في بعض ملفات السياسة الخارجية الشائكة، مثل الملف الليبي . فموسكو وأنقرة بدتا في السنوات القليلة الماضية على أنهما يتحاربان في ليبيا، وكل عاصمة تدعم طرفاً من أطراف الأزمة الليبية. لكن قمة سوتشي عكست توافقاً للمرة الأولى بين البلدين من أجل إجراء انتخابات عامة في ليبيا، تفضي لمصالحة وطنية شبه شاملة. ولا يعرف مدى جدية هذا التوافق أو انعكاساته على الأوضاع على الأرض في ظل وجود دول نافذة أخرى في الوقت نفسه.

وكان لافتاً أيضاً بعد قمة سوتشي كيف أن الرئيس بوتين، دعا أردوغان ليشارك في قمة منظمة شنغهاي للتعاون التي تضم روسيا والصين ودولاً أخرى، في سمرقند، في منتصف الشهر المقبل. وتبدو رغبة بوتين مرتبطة بإضافة بلد جديد إلى صورة القمة التي ستؤكد من جديد دعمها لروسيا في أوكرانيا، وللصين في تايوان.

وتحتل سوريا مكانة مهمة في العلاقات بين البلدين، حيث لكل منهما تواجد عسكري على الأراضي السورية، والوضع الميداني مهدد دائماً بتحركات تركية ضد قوات الحماية الكردية ، فيما تريد دمشق وروسيا استهداف الفصائل المسلحة تحت الكنف التركي في منطقة إدلب.

وعلى الرغم من اتفاق بوتين وأردوغان على محاربة التنظيمات الإرهابية كافة هناك، فلم يتفق الطرفان على تعريف الإرهاب، هل هو قوات الحماية الكردية كما تريد أنقرة، أم تنظيمات إدلب كما تريد موسكو؟

وبالطبع، ليس من توافق تام على الوضع في سوريا، حيث إن تركيا لا تزال تريد موافقة روسية على عملية عسكرية في الشمال، من دون أن تلقى جواباً إيجابياً حتى الآن.

تفعل تركيا هذا وهي عضو في حلف شمال الأطلسي، وهذا يعدّ مخاطرة لها، إذ إن الولايات المتحدة ممتعضة من تركيا بسبب تعاونها مع روسيا. لكن واشنطن في الوقت نفسه ترى أنه لا غنى عن الحاجة إلى تركيا كجناح للأطلسي في قلب الشرق الأوسط، خصوصا بعد بروز حاجة الحلف لدول أعضاء بعد الحرب في أوكرانيا.

ونتيجة لذلك، تستفيد تركيا من موقفها المعقول في البقاء على مسافة من روسيا وأوكرانيا في هذه الحرب ومن حاجة الغرب لها كممر للحبوب من أجل ابتزاز الغرب وأوروبا والحصول على مكاسب مالية، أو في ما خص ملف اللاجئين . وفي المحصلة، فإن تركيا وروسيا تدخلان في علاقات ثابتة، وشبه مستقرة لجهة استمرار التنافس بينهما في أكثر من ملف، من القوقاز وسوريا، إلى شرق المتوسط، وفي الوقت نفسه الإبقاء على التعاون في ملفات كثيرة بما يبقي العلاقات في دائرة التفاهمات. وفي هذا لا شك في فائدة كبيرة للبلدين، وأردوغان تحديداً، يبدو المستفيد الأول لجهة الدعم الروسي المحتمل له للبقاء في السلطة في انتخابات الرئاسة في يونيو/ حزيران المقبل، والتي ستقرر نتائجها مستقبل تركيا وبعض دول المنطقة للأعوام التي ستلي.