تُخبرنا الوقائع والحقائق أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون هناك مسيرة تنموية مُستدامة ومتفاعلة محليًا وإقليميًا ودوليًا بنجاح، من دون وجود بيئة أمنية متماسكة غير غافلة تحمي مكتسبات التنمية من أدق التفاصيل التي تمس الأمن القومي للبلاد، وهذا ما نعيشه اليوم تمامًا في المملكة العربية السعودية، بفضل الله أولًا وأخيرًا، ثم بفضل براعة صقور أجهزتنا الأمنية المختلفة التي أثبتت قدرتها في هذا الاتجاه.

البيان الأخير الصادر عن جهاز رئاسة أمن الدولة بشأن تعقب أحد المطلوبين أمنيًا -منذ سبع سنوات- والذي بادر بتفجير نفسه بحزام ناسف نتج عنه هلاكه في حي السامر بمحافظة جدة، له دلالة مهمة تتجاوز في مفهومها العام طبيعة الحدث إلى ما هو أشمل من ذلك، وهي رسالة سعودية مفادها أن أجهزتها الأمنية تعمل بلا كلل أو ملل في تثبيت أركان الأمن الوطني، وأن المسيرة التنموية تسير بأفق متوازي ويقظة أمنية لا تترك الأمور للصدف.

تحية إجلال لرئاسة أمن الدولة، ولكل الأجهزة الأمنية التي ترصد وتتعقب كل ما يمس أمننا القومي بكل عزيمة وإصرار وحزم في التصدي لكل من تسوّل له نفسه المساس بأمن هذه البلاد واستقرارها وسلامة المواطنين والمقيمين على أراضيها.

ربما يقودني ذلك إلى طرح مجموعة من التساؤلات المنهجية العابرة لحدود الفهم الضيق أو الساذج وهي: هل ستنتهي الأفكار المتطرفة ومن يقف خلفها من الجماعات أو الدول من هنا وهناك عن استهداف بلادنا وأمننا؟ ولماذا لا يزالون مستمرين من أجل تنفيذ خططهم وأهدافهم التخريبية تجاه المملكة؟ وما بغيتهم الاستراتيجية من كل ذلك؟.. الإجابة الأولية: لن يتوقفوا عن ذلك، لكن علينا فتح نافذة لبناء الوعي الداخلي بين مختلف مشارب الرأي العام السعودي، والمتبلورة في قدرة الدولة على التوازي بين استراتيجيتها التنموية والقضاء على كافة أشكال ومشاريع التطرف، ويمكن الاسترشاد هنا بأكثر من حديث للأمير محمد بن سلمان، ففي العام 2017 (بعد عام من إطلاق رؤية 2030) قال في إشارة إلى الإسلام الوسطي: "نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه قبل عام 1979"، وهو ما بالفعل ما عاشه السعوديون بعد مرور 6 سنوات من رؤيتهم، والذي يتمثل في المنجزات، لمواجهة التشدد والأفكار المتطرفة ورموزها، وفي حواره مع مجلة «أتلانتيك» الأميركية وضع النقاط على الحروف بشكل لا لبس فيه بالقول: "نحن راجعون إلى الجذور، إن ما حدث هو أن المتطرفين اختطفوا الدين الإسلامي وحرفوه، بحسب مصالحهم".

هناك من هو غاضب من التنمية السعودية المتصاعدة في بلادنا، وهو أمر يزعزع بلا شك من يرى في ذلك مصدر قلق له، وكما يقال: "كل من على رأسه بطحة يُحسس عليها"، لذلك فإن ما تقوم به رئاسة أمن الدولة يدخل ضمن مربع التنمية الوطنية المتكاملة، التي استطاعت أن تقدم إنجازات "استخبارية فاعلة"، لاستهداف التنظيمات الإرهابية والمنتمين والممولين ومقدمي التسهيلات لهم، مع الإشارة إلى الأدوار المركزية المهمة التي قامت مختلف القطاعات الأمنية.

باختصار هناك منظومة أمنية متقدمة للدولة السعودية، تعمل من دون توقف تجاه الأفراد المرتبطين بالتنظيمات الإرهابية المتنوعة، لذلك كان لها دور محوري في تأسيس "المركز الدولي لاستهداف تمويل الإرهاب" في مايو 2017 في الرياض، برئاسة مشتركة بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية، وعضوية دول الخليج، وكانت بالفعل إحدى النتائج التي أقلقت مضاجع الإرهاب أشخاصًا وتشكيلات.. دمتم بخير.