عادة في علم الاقتصاد ارتفاع سعر السلعة يحفز الشركات على زيادة الاستثمار في لإنتاج والمزيد من عرض هذه السلعة وتحقيق أرباح أكبر، لكن هذا لم يحدث مع سلعة النفط خلال 2022، حيث حافظت شركات النفط الكبرى (إكسون موبيل، شيفرون، شل، بي بي، توتال، أني، إكوينور) على مستوى إنتاج أقل من أعلى مستوياته التاريخية لتحقيق أرباح أعلى من 2008، وهنا نتساءل لماذا لم تبدِ هذه الشركات رغبتها في زيادة إنتاجها لسد الفجوة بين العرض والطلب العالمي على النفط وتحقيق المزيد من الأرباح مع شح المعروض، لأن هدفها هو تحقيق أكبر قدر من الأرباح بأقل إنفاق رأسمالي ممكن وقت ارتفاع الأسعار والمحافظة على مستوى محدد من الإنتاج عند انخفاضها لاستدامة أرباحها على أطول مدة ممكنة، اعتقادا منها أنه لا جدوى اقتصادية كبيرة من زيادة استثماراتها في النفط مع مكافحة الدول المستهلكة لتغير المناخي والتحول السريع الى الطاقة المتجددة.

إن السبب الرئيس وراء إحجام شركات النفط الكبرى عن إجراء المزيد من الحفر هو ببساطة عدم رغبة مساهميها في ذلك والمخاوف من المخاطر المستقبلية بعدم استمرار ارتفاع الطلب على النفط، حيث انخفض إنفاقها أقل بكثير مما كانت عليه عندما تجاوز النفط 100 دولار للبرميل، ومن المتوقع أن تبلغ نفقاتها الرأسمالية نحو 80 مليار دولار هذا العام وهو ما يعادل نصف مستوى 2013، وفقاُ لبيانات بلومبرغ، لأن هذه الشركات تنظر إلى تدفقاتها النقدية خلال الـ 25 عاما الماضية ومقارنتها بتدفقات النقدية الحالية وما هو متوقع مستقبلا، وإذا ما سوف تؤدي الزيادة في الإنتاج بشكل حاد إلى زيادتها أو أن ينتهي الأمر بإغراق أسواق النفط، مما سوف يتسبب في انهيار الأسعار وخسائر فادحة لاستثماراتها، لذا تتعهد بعدم زيادة إنتاجها هذا العام بأكثر من 5 %، بينما أنخفض إنتاج شركات النفط الصخري الأميركي إلى 12.2 مليون برميل يوميا في الأسبوع الماضي مقارنة بإنتاج 13 مليون برميل يوميا في مارس 2020.

وكشفت الاضطرابات الجيوسياسية الحالية عن اقتراب إنتاج النفط من ذروته بعجز منتجي النفط من شركات ودول بزيادة إنتاجهم إلى الحد الذي يخفض ارتفاع الأسعار الحاد بعد تجاوزها 120 دولارا، والذي تسبب في ركود اقتصاديا وتراجع الطلب العالمي على النفط، حيث توقعت وكالة الطاقة الدولية ارتفاع الطلب بمقدار 2.1 مليون برميل يوميا الى متوسط 99.7 مليون برميل يوميا في 2022 و 101.8 مليون برميل يوميا في 2023. كما أوضحت أن العرض تجاوز الطلب في يوليو ليصل إلى 100.5 مليون برميل يوميا. أما الأوبك فقد خفضت توقعاتها لنمو الطلب من 3.4 ملايين الى 3.1 ملايين برميل يوميا ليصل متوسط الطلب إلى 100 مليون برميل يوميا في 2022، بينما أبقت على توقعاتها لنمو الطلب في 2023 ليصل إلى 102.7 مليون برميل يوميا.

هكذا يلاحق العرض الطلب عندما تبدأ الأسعار في الارتفاع وعند وصولها إلى القمة يبدأ الطلب بالتراجع لإجبار العرض على التراجع أو إغراق الأسواق عند أسعار متدنية جدا، كما يمكن القول أيضا إن ارتفاع أسعار النفط لمدة أطول يحفز استثمارات النفط وبمعدل أكبر، أما في حالة تراجعها يحدث ما حدث قبل الأزمة الجيوسياسية باستثمارات لا تكاد تذكر، هكذا تحدد الأسعار ذروة العرض أو الطلب على المديين القصير والمتوسط قبل أن يفرضها واقع أسواق النفط على المدى الطويل.