لم يُعد العالم في حالة من الاستقرار، فالصراعات والخلافات والتوترات هي سيدة الموقف، كلٌّ يتآمر على الآخر، وداخل الدول فإن الأوضاع هي الآن على كف عفريت، أي أننا أمام صراع بين الدول، وصراعات داخل الدول، وليس هناك من مؤشراتٍ توحي بأننا سنكون على موعد لإطفاء هذا الجحيم الذي يطوِّق دول العالم، ويهيئ لكوارث بأكثر مما هي عليه الآن .

فالصراع الأمريكي - الصيني على أَشُدِّه، حول مستقبل تايوان، ونُذُر الحرب تُظهرها استعراضات القوة على أطراف جزيرة تايوان، وفي الجانب الآخر مازالت نيران الحرب الروسية - الأوكرانية في ازدياد، حيث الدمار، والقتلى، والخسائر، والفواجع، دون موقف عاقل وحكيم من الطرفين، أو المساندين الداعين لاستمرارها .

مناورات عسكرية على حدود جزيرة تايوان، بأحدث الأسلحة المتطورة، واستعراضٍ للقوة العسكرية دون مراعاة لنتائجها المدمرة، أو أخذ حساب لما ستؤول إليها، أو مراجعة لما سبقها من حروب عالمية وغير عالمية، في سباق محموم، ومحاولات لفرض القوة، والسيطرة، وإملاء ما يؤجِّج الخلافات، وصولاً إلى ما يدمر العالم، وينقله إلى ما يلحق الضرر بالجميع .

وفي شأن آخر فإن الخلافات داخل الدول، لم تترك فرصًا لإعمارها، واستتباب الأمن فيها، وحماية الدماء البريئة من استباحتها وهدرها، وكأن هذا العالم المجنون في سباق لتقويض كل ما بناه الإنسان، وأقامه على مدى قرون ليكون ظله وبيته وعمله جيلاً بعد جيل .

طالِعوا - وهذا على سبيل المثال لا الحصر - ما يجري في العراق وسوريا وليبيا والسودان واليمن وتونس ولبنان من تنازعات وخلافات واقتتال، دون مراعاة النافذين ومَن بيدهم القرار مصالح شعوبهم ودولهم، أو تفكير بما سوف تسفر عنه هذه المواقف من نتائج لا تخدم أحدًا .

المؤسف حقًا أن كثيرًا من هذه المشاهد تغذيها وتدعمها دولٌ وجهاتٌ خارجية، سواء كانت بين دولة وأخرى، أو كان ما يحدث إنما هو خلافات بين مواطني ومسؤولي الدولة الواحدة، ما يجعلنا جميعًا في حالة ترقُّب دائم بانتظار ما هو أسوأ وأخطر .

والمؤسف أكثر أن تُجَر بعض الشعوب إلى إغراءات الأعداء، وتُمَرَّر عليها أجندات لا تخدم بلدانها، فتكون النتيجة هذا السقف العالي من الدمار والدماء، وغياب الحلول، وإغراق الدول في حروب تأكل الأخضر واليابس .

إن مراجعة لما نراه الآن يومض بما هو أسوأ، وينذر بالتحضير لما هو أخطر، ويعطي مؤشرات إلى أن العالم مُقْدِمٌ على حرب عالمية ثالثة حتى وإن تأخر موعدها، وأنها ستكون أسوأ بكثير من الحربين الأولى والثانية، بحكم تطور الأسلحة الفتاكة، وانتشار الأسلحة النووية والبيولوجية على نطاق واسع .

ومن حق الجميع أن يخاف من المستقبل، وأن يثيره الرعب كلما استعرض ما يجري الآن، وأن عليه أن يحذر ويخاف من هذا المستقبل الذي سوف يشوبه ما هو أسوأ مما كان من قبل، فنحن أمام مشكلة كبيرة وعويصة، وحلولها غير جاهزة، بل ولا نية للفاعلين على تحضير أي معالجة لها، درءاً للشر الذي يحيق بالعالم .

لقد آن للتفكير العاقل أن يَحْضُر، وآن للتصرف الحكيم من الحكماء أن يتم، إذ بدون معالجة صحيحة لن يتعافى العالم من أوجاعه، وسيبقى بانتظار الحرب العالمية القادمة التي - إن حدثت - فلن تُبقي ولن تَذَر .