رفضت المملكة توصية صندوق النقد الدولي برفع سقف أسعار البنزين أي تحريرها ليحدد سوق الطاقة أسعارها. وهذا ليس بغريب أن تكون بعض توصيات هذا الصندوق ذات نظرة قصيرة وأبعاد غير مدروسة في ضوء التحديات الاقتصادية العالمية وتداعياتها على مستوى المعيشة والدخل ومستهدفات رؤية 2030. كما أنها تتناقض مع أهداف حكومتنا الواضحة والمدروسة بكل حرص وعناية لملاءمة الحالة الاقتصادية بالأوضاع الاجتماعية وتوازنها بما يخدم الاقتصاد والمواطن. فهل فكر الصندوق يوماً فيما يعانيه العالم من ارتفاع معدلات التضخم عند مستوى غير مسبوق منذ عقود طويلة بسبب ارتفاع أسعار الوقود، والذي أدخل الاقتصاد العالمي في ركود اقتصادي قد يستمر لسنوات مع استمرار ارتفاع معدلات التضخم والأزمة الجيوسياسية. ألا يعلم الصندوق أن عامل الوقت في اتخاذ القرارات الاقتصادية هو الذي يحدد نجاحها من فشلها وأن حرية السوق غير مطلقة عندما تكون النتائج الاقتصادية سلبية أو لتجنب أي أخطار مستقبلية محتملة.

وهل قرأ صندوق النقد نص التوجيه الملكي بتعديل أسعار منتجات الطاقة والمياه في السعودية باعتماد أسعار البنزين لشهر يونيو من عام 2021، بنزين "أوكتان 91 / 2.18 ريال"، وبنزين (أوكتان 95 / 2.33 ريال)، ليصبح سقف السعر المحلي للبنزين اعتباراً من 10 يوليو 2021، والذي أتى انطلاقاً من حرص القيادة على تخفيف الأعباء المعيشية عن المواطنين والمقيمين، وسعيها المستمر لتحقيق الصالح العام، ودعم النشاط الاقتصادي المحلي. إنها أهداف متوازنة بين تخفيف الأعباء المعيشية وتحقيق الصالح العام ودعم الأنشطة الاقتصادية المحلية، فلماذا تجاهل الصندوق ذلك؟ وهذا يجعلنا ننظر الى توصيات الصندوق بكل حذر وعدم أخذها بمحمل الجد حتى نتأكد من أبعادها القريبة والبعيدة بما يحقق أهداف دولتنا.

وبنظرة اقتصادية سريعة، فقد نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي 9.9 % في الربع الأول من 2022 مقارنة بالربع المماثل من 2021، وذلك بنمو الأنشطة غير النفطية 3.7 % والمرتبطة بإنفاق المستهلك أكثر من غيرها. كما نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بمعدل 11.8 % خلال الربع الثاني من 2022 مقارنة بالربع الثاني من 2021، حيث نمت الأنشطة غير النفطية 5.4 % ومن المتوقع أن تشهد 5 % نمواً هذا العام. ونتيجة لذلك بلغت الإيرادات الحكومية غير نفطية 214.260 مليار ريال في النصف الأول من 2022 أو بنمو 5 % مقارنة بالنصف الأول من 2021 ومعظمها من إيرادات ضريبة القيمة المضافة التي يدفعها المستهلك.

إن رفع سقف أسعار البنزين المرتبطة بارتفاع أسعار النفط الحالية سيضاعفها وستكون النتائج كارثية على المستهلك والأعمال والاقتصاد وسيقفز معدل التضخم الحالي من 2.7 % في يوليو إلى معدل غير مسبوق، مما سيدهور القوة الشرائية ويحد من الإنفاق الاستهلاكي النهائي الخاص الذي نما بـ7.1 % في الربع الأول من 2022. كما سيرفع من تكاليف النقل ومدخلات الإنتاج الصناعي والذي سيحد من قدرة القطاع الخاص على التوسع وتوظيف المزيد من المواطنين، مما سينعكس سلباً على أداء الاقتصاد وتكون الخسارة أكبر بكثير من رفع سقف أسعار البنزين.