تحدث الأزمات وتقع الكوارث العالمية في الأغلب بسبب أخطاء سابقة في رسم الاستراتيجيات بناء على ضعف المدخلات، أو عدم توفيق في قراءة المؤشرات، ما يؤول بطبيعة الحال إلى فشل في استشراف المستقبل ووضع الخطط التنموية التي تتسق معه، وخطط الطوارئ المناسبة. عندما يتعلق الموضوع بمستقبل الطاقة وشرايينها، والخطط الاستراتيجية التي تتعلق بأمن الطاقة العالمي، أستطيع القول جازما إن هذه الخطط يجب أن توضع تحت المجهر مرارا وتكرارا قبل تنفيذها. أي خلل في منظومة الطاقة العالمية في الدول المنتجة أو الدول المستهلكة المؤثرة لن ينعكس سلبا في هذه الدول بعينها، بل سيتعدى أثرها حدود هذه الدول، وستنعكس تبعاتها على العالم بأسره، وما يحدث حاليا في قضية الحرب الروسية الأوكرانية وأثرها في دول أوروبا خصوصا، والعالم عموما خير شاهد على أهمية استقرار منظومة الطاقة العالمية وسلامة شرايينها.

بعيدا عن دهاليز السياسة، أجد أنه من المناسب تسليط الضوء على العقوبات الاقتصادية على روسيا، وهل آتى هكذا قرار استراتيجي أكله وحقق أهدافه؟ وهل تم وضعه تحت المجهر قبل دخوله حيز التنفيذ؟ الأرقام تقول إن أرباح الشركات الروسية خلال الربع الثاني من العام الجاري ارتفعت بنسبة تقدر بنحو 25 في المائة، حيث إن إجمالي أرباح الشركات الروسية نقلا عن "بلومبيرج" بلغ نحو 144 مليار دولار بزيادة 25 في المائة على الفترة ذاتها من العام الماضي! أيضا سجل قطاع التصنيع الروسي زيادة في أرباحه في الربع الثاني من العام الجاري بنحو 44 في المائة، في حين ارتفعت أرباح قطاع النقل والتخزين نحو 168 في المائة في الفترة ذاتها. السؤال العريض هنا حول العقوبات على روسيا: هل عاقبت أوروبا روسيا أم عاقبت نفسها؟ في اعتقادي، أنه فيما يخص أمن الطاقة العالمي، فإن سلامة إمدادات الطاقة واستقرارها العالمية لا تقل أهمية عن سلامة اقتصاد الدول المستهلكة واستقرارها.
ليس من الحكمة أن تنظر بعض الدول المستهلكة للطاقة، وعلى رأسها النفط، إلى مصالحها فقط، وعلى حساب المنتجين دون مراعاة لاستقرار المنظومة برمتها، حيث إن محاولة التقليل من أهمية النفط من بعض الجهات والدول، والسعي الحثيث إلى تقويض صناعته - في اعتقادي - خطأ وخطر استراتيجي بمنزلة طريق سريع نحو فقر مدقع للطاقة لن يسلم كثير من تبعاته بعيدا عن هذه الزوبعة والزخم الإعلامي غير الموضوعي.
أن ننظر إلى العالم بعين خضراء، فهذا جميل وهدف نبيل، لكن يجب أن تكون هذه النظرة فاحصة ومتأنية وموضوعية، فالعالم وفق نسب نموه السكاني والاقتصادي هو في أشد الحاجة إلى جميع مصادر الطاقة دون استثناء، وأن الحكمة تكمن - بحسب رأيي - في التكامل بين المنتجين والمستهلكين، وكذلك التكامل بين جميع مصادر الطاقة دون استثناء برفع كفاءة الإنتاج والاستهلاك، لا بتقويض أو محاربة أو تهميش بعض المصادر. عندما نتناول موضوع الطاقة أو مستقبلها فلا يمكن أبدا تجاوز السعودية، ودورها الرئيس والقيادي دائما. السعودية كانت وما زالت تعمل بكل مسؤولية نحو استقرار أسواق النفط العالمية، وتسعى دائما إلى توازنها واستقرار أسعارها عند مناطق معتدلة تخدم المنتجين والمستهلكين على حد سواء، وهي تعي يقينا أهمية تنويع مصادر الطاقة، ومنها الطاقة المتجددة، وتزن بعدل أسواق النفط بكفتي المنتجين والمستهلكين.