من مميزات البرمجيات الخطيرة ميزة إعادة الاستخدام، تكمن الخطورة في قدرة البرمجيات على مقاومة الصدأ والتكلس والتعفن إذا حفظت في بيئة غير مثالية مقارنة بعناصر التقنية الأخرى التي نعرف أو يمكن لنا تصورها، تظل البرمجيات صالحة للاستخدام وإعادة الاستخدام أطول من أي شيء نعرفه اليوم أو عرفناه سابقاً سواء في مجال التقنية أو غيرها، ولا ينافسها في ذلك سوى الأدب الخالد، كملحمة الإلياذة ومعلقة امرئ القيس.

صلاحية إعادة الاستخدام كانت ميزة أراد فريق (إريانا) الاستفادة منها وانتهت بكارثة، بعد أربعين ثانية من إطلاق النسخة الخامسة من المركبة الفضائية (إريانا) التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية، انحرفت المركبة التي كلفت 370 مليون دولار على ارتفاع 3700 متر، حيث بدأت في التفكك حتى تناثرت في انفجارات متوالية، بعد دراسة أسباب فشل المهمة، وجد أن المركبة أعادت استخدام برمجيات نسخة المركبة السابقة دون مراعاة للاختلافات الدقيقة بين المركبتين.

كان السبب الذي أدى إلى فشل المهمة كما وصفه التقرير الذي صدر بعد الحادثة ناتج عن اختلاف في تعريف المتغيرات الذي أدى إلى تغذية المركبة ببيانات خاطئة أخرجتها عن مسارها، كان المتغير في النسخة الرابعة يتطلب 64 خانة لتحديد زاوية انطلاق المركبة، لكن عند إعادة استخدامه في النسخة الخامسة، كانت المركبة لا تسع إلا 16 خانة لمتغير زاوية انطلاق المركبة، وقعت المشكلة عندما حاول البرنامج تسجيل رقم من 64 خانة في متغير لا يسع إلا 16 خانة، ما أدى إلى عطل نتجت منه سلسلة من العمليات التي أدت في النهاية إلى الكارثة.

لم يكن تفادي الخطأ الذي وقع فيه البرنامج صعباً فنياً، فلا يتطلب الوقت لتعديله أكثر من الوقت الذي تحتاجه لإعادة ضبط درجة حرارة غرفة صغيرة، كانت المشكلة الحقيقية هي في الافتراضات التي سُلم بها عندما قرر الفريق الهندسي إعادة استخدام البرنامج دون تمحيص، فمن المغري لأي فريق أن يجد وسيلة لاختصار الوقت والجهد، ما يجعل قرار إعادة الاستخدام قراراً مؤسسياً تتداخل فيه العوامل الفنية والإدارية.

ولو أن إعادة استخدام البرمجيات تعد ميزة اليوم تستفيد منها مشروعات كثيرة، إنما لها مخاطر في أنظمة المهمات الحرجة لم يتنبه لها فريق مركبة (إريانا)، كان ينقص نظام المركبة، وهو ما أصبح متبعاً بعد ذلك، هو التحسب للخطأ والقدرة على التعافي منه مهما كان نوعه أو مصدره، وكما هو الحال مع الأخطاء البرمجية عموماً، توجد درجة من رفع الكلفة بين البرمجيات ومفاهيمها ومن يتعاملون معها من داخل التخصص أو من خارجه، تجعل الجميع أكثر جرأة في اتخاذ القرار دون إدراك حقيقي للعواقب، الجهود التي تبذل لتجاوز مشكلات المجال كبيرة، لكن رغم كل الجهود ما زالت البرمجيات رخوة هندسياً.