قبل أقل من شهر ونصف الشهر على انتهاء ولاية رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون، يعيش اللبنانيون حالة من الخوف والرعب مع ترقب ما يمكن أن يقرره الرئيس في 31 تشرين الأول (أكتوبر) 2022، خصوصاً أنه مضى 17 يوماً على الدخول في المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد، ولم يُحدد موعد لجلسة تشريعية حول هذا الاستحقاق، في ظل انقسام سياسي حاد وانهيار اقتصادي ومالي وفوضى اجتماعية واحتمالات خراب دستوري يؤدي إلى انفجار العنف الأهلي في البلد. وبدأت تُطرح تساؤلات عن مصير البلد وعمّا سيكون عليه الوضع مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل وما إذا كانت الأزمة ستتكرر، وإن في شكل مختلف عن عام 1988 عندما ترأس ميشال عون حكومة عسكرية في قصر بعبدا. علماً أن الأزمة الحالية هي الأسوأ والأكثر خطورة من الناحيتين السياسية والدستورية وفي ما يتعلق بالصيغة والكيان.

يقف الرئيس ميشال عون اليوم وحيداً مع رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل في مواجهة كل القوى السياسية في البلد، وهو لا يحظى بتأييد لبناني ومسيحي ولا حتى من رأس البطريركية المارونية باستثناء تحالفه مع "حزب الله" الذي لم يقطع شعرة علاقاته معه نظراً للتغطية التي أمنها عون للحزب خلال السنوات الست الماضية، وإن كانت لديه حسابات داخلية وإقليمية في الشأن الرئاسي. أما المسيحيون اليوم مقارنة بالسابق، فهم أكثر تفككاً وضعفاً، فيما البيئة السنّية تعيش حالة ضياع، باستثناء المكوّن الشيعي ورافعته "حزب الله" الأقوى على مستوى الحكم وفائض القوة التي يمتلكها.

يطرح الاستحقاق الرئاسي تساؤلات كثيرة عما سيفعله عون عند انتهاء ولايته، والأوضاع التي يمكن أن يغادر على أساسها القصر الجمهوري، ما لم تشهد المرحلة الفاصلة عن انتهاء الولاية معارك كبرى وأزمات مستعصية. في الأجواء أن ميشال عون لن يسلم الرئاسة إلا لخلفه أي إلى رئيس جديد ينتخبه مجلس النواب اللبناني في المهلة الدستورية، وهو أمر غير متيسر بسبب الانقسامات وغياب الاتفاقات والتسويات، أو أن تكون هناك حكومة جديدة تحظى بالثقة من مجلس النواب هي غير حكومة تصريف الأعمال التي يرفض عون تسليمها صلاحياته في حال الفراغ، وبالتالي تحضر سيناريوات كثيرة بعد انتهاء العهد، مع الفراغ الرئاسي.

الأجواء السياسية وما يعيشه لبنان حالياً يسيران به نحو الفراغ، فإذا كان الالتزام بالدستور والميثاقية على الطريقة التي مارس بها عون الحكم بالعلاقة مع رؤساء الحكومات، فإننا أمام أزمة كبرى في غياب حكومة أصيلة، طالما أن الشروط ترتفع بالحصص التي تمكّن التيار العوني من الاستمرار سياسياً وفي بيئته المسيحية ومؤثراً في القرار. وإذا لم تتشكل حكومة وفق ما يرتضيه التيار العوني، فإن الفراغ قد يطيح بموقع الرئاسة ويعزل قوة وتأثير رئيس "التيار" جبران باسيل، لذا قد يلجأ عون إلى قرارات ليست في الحسبان، نذهب معها إلى فوضى دستورية لا ينجو منها إلا موقع رئاسة مجلس النواب.

المخاوف وفق السيناريوات المطروحة ترتكز على احتمال بقاء ميشال عون في قصر بعبدا أو ممارسة السلطة عبر حكومة يشكلها في مقابل حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة نجيب ميقاتي. وإذا لجأ عون إلى خيارات غير دستورية سيضع القوى المسيحية الأخرى في موقع حرج، وقد يؤدي إلى الصدام معها إذا قرر التصعيد في الشارع بالطريقة التي حدثت في عام 1988 حتى 1990، أي محاولة إعادة النبض العوني في البيئة المسيحية، في مواجهة كل المكوّنات اللبنانية الأخرى.

كل التوقعات تشير الى أن الفراغ الرئاسي بات أمراً واقعاً، وفي المقابل لا يبدو أن هناك اتفاقاً على اسم لرئاسة الجمهورية، في غياب مبادرات إقليمية ودولية للتسوية، وهذا الواقع يطرح تساؤلات عما إذا كانت الأطراف اللبنانية أو أقله القوى المتحكمة بمصير البلد تدفع الأمور إلى مزيد من الفوضى الدستورية والاجتماعية للتمكن لاحقاً، في حال توافر قرار خارجي بالحل، من البحث في صيغة جديدة للبلد أو نظام يعكس موازين القوى السائدة، ويبدو أن الطرف الأقوى اليوم في أي تسوية مقبلة بفرض الشروط هو "حزب الله".

يتحرك "حزب الله" وفق حسابات إقليمية، فهو وإن كان يتعامل بهدوء مع الاستحقاق ولا يتبنى حتى الآن رسمياً أي مرشح رئاسي، فإنه لا يستطيع في المقابل أن يُغطي قرارات رئيس الجمهورية ميشال عون في حال بقائه في قصر بعبدا، وإن كان لا يريد القطع مع حليفه المسيحي، لكنه يسعى إلى أن يكون لاعباً أساسياً في البحث عن أي تسوية، إن كان بعد الفوضى أو في حال التوافق على انتخاب رئيس جديد. الحزب المهتم بالملفات الإقليمية وبترسيم الحدود يعرف أن متغيّرات ستحصل في الفترة المقبلة، فالفراغ سيؤدي الى ضعف كبير في "التيار الوطني الحر" وبالتالي سيخسر تغطيته، ولذا فإنه يريد للعونيين أن يبقوا في موقع قوة حالياً وينحاز إلى حكومة بالطريقة التي يريدها عون. من هنا يتعاطى الحزب من موقع القوة والمقرر والمستفيد من كل التحولات، حتى بالبحث في تطوير النظام والصيغة فلا يكونان خارج هيمنته، واستطراداً تعزيز موقع الشيعية السياسية في الحكم، ما لم يتم إنجاز الاستحقاق الدستوري.

معركة ميشال عون أيضاً هي لحماية جبران باسيل واستمراريته السياسية بعد انتهاء العهد، خصوصاً أن التيار العوني يشهد تفككاً على مختلف المستويات. المعركة قد تكون بتوفير أجواء لباسيل من لعب دور سياسي خارج المؤسسات، وبفرض وقائع الانهيار للوصول إلى تركيب صيغة جديدة، وهنا قد يلتقي مع "حزب الله" إذا اقتربت التسوية لحل دولي للمسألة اللبنانية في إعادة التركيب بموازين القوى القائمة ضمن الفوضى.

الفراغ قد يؤدي إلى فرض أمر واقع في قصر بعبدا، ولا يبتعد "حزب الله" عن هذه الأزمة وإن كان يقدم موقفه على أنه يسعى لحل المعضلات. وعلى هذا يبدو أن عون لن يسلم أوراقه بسهولة بلا حكومة تحت رايته، لنصبح أمام معضلة دستورية، تزيد من اختناق البلد وانفجاره.