وفق ما جاء في الأمر الملكي رقم 26 لسنة 2022 بشأن تحديد ميعاد الانتخابات فإن الناخبين البحرينيين على موعد مع فصل تشريعي سادس يحل بتاريخ 12 نوفمبر المقبل. هذه الأوامر الملكية التي اعتدنا إيقاعها الزمني الثابت كل أربع سنوات تقدم الدليل القطعي على أن المسيرة الديمقراطية التي أرسى قواعدها في المجتمع البحريني جلالة ملك البلاد المعظم تسير بخطى ثابتة على الطريق الصحيح، وعلى أن هذه الديمقراطية تطور نفسها عبر المزيد من ممارستها من خلال الانتخابات التشريعية في كامل أطوارها، وعلى أن ما تحقق من مكاسب ديمقراطية تدفعنا إلى ألا نلتفت لأصوات الإحباط التي دأبت مع كل موعد انتخابي على عادة التشكيك في جدوى الانتخابات في محاولة يائسة لنشر حالة من اليأس لا مستفيد منها إلا أعداء نجاح البحرين.

إن لهذه الدعوة الملكية الغالية فضلاً عن قيمتها الرمزية قيمة إجرائية جعلتها تحمل في طياتها أبعادًا وطنية نبيلة لعل من أهمها أمرين، أولهما دعوة المواطنين ناخبين ومترشحين إلى أن ينخرطوا في إنجاح الانتخابات ويبرهنوا عما يحمله المواطن البحريني من حس وطني ومواطني جعله يرى في المشاركة في الانتخابات ترشحًا وترشيحًا تعبيرًا راقيًا عن الديمقراطية وقيمها وعن المواطنة ومبادئها القائمة على التلازم الوظيفي بين الحق في الانتخاب وواجب الانتخاب، وثانيهما توجيه ملكي كريم للإدارات التنفيذية الحكومية لاتخاذ ما يلزم من الإجراءات لإنجاح هذه الانتخابات. وقد شهدنا بناءً على ذلك صدور هذه الإجراءات والترتيبات تباعًا من الجهات المعنية في حرص جلي على إنجاح العرس الانتخابي تنظيميًا.

إن دعوة جلالة الملك المعظم تحتم علينا في قراءة أبعادها تعميق التفكير ضرورة عدم الفصل بين دور الناخبين والمترشحين مقومًا أساسيًا من مقومات نجاح العملية الانتخابية وشرطًا جوهريًا من شروط الخروج بمجلس يعبر بصدق عن إرادة الشعب وآماله وتطلعاته. فدور الناخبين في هذا العرس الوطني الديمقراطي مرتبط بشكل وثيق بنجاحهم في اختيار ممثلي الشعب المناسبين من بين جملة المترشحين لهذه الدورة الانتخابية السادسة، ولعلي لا أبالغ إذا ما قلت إن الظرف الراهن يدعو بالضرورة إلى أن تفرز الانتخابات مجلسًا قويًا يلبي مطامح الشعب ويساعد الحكومة باضطلاعه المسؤول بوظيفتي الرقابة والتشريع على أن تعبر بالبحرين إلى شواطئ الأمان، وهذا الأمل إذا ما تحقق يجعلنا أمام معادلة سياسية فريدة تجعل قوة المجلس تمثل بالضرورة مصدر قوة للحكومة، وبهذا يكون هذا المجلس المنشود مجالاً قانونيًا وتشريعيًا يعبر من خلاله المجتمع عن طموحاته وآماله في رفع مستوى المعيشة وتحسين جودة الحياة البحرينية. فقوة المجلس من عدمها مرهونة باختيارات الناخبين وليس بالرغبات المرسلة!

وإذا كان من المسلم به أن الحكومة وبناءً على نتيجة الانتخابات ستتعامل مع أي مجلس منتخب بالطريقة التي لا تتعارض مع الدستور، فإن مجلسًا ضعيفًا لن يكون معبرًا عن طموح وآمال المواطنين وبالتالي لن ييسر على الحكومة عملها، وسيعيدنا إلى ذات «التحلطم» وجلد الذات لسوء اختيارنا، وهذا ما يجعلنا نعيد مجددًا طرح السؤال الآتي: كيف لنا أن نأتي بمجلس يعبر عن طموح الأمة ويحمل آمالها؟ هذا هو السؤال الجوهري الذي لو توقف عنده وتأمله كل ناخب وكل مترشح وقارن اختياراته وخياراته في المرات السابقة ونقل تجربته إلى الناخبين الجدد فإننا من المؤكد سنقوم بعملية التصحيح الناضجة المطلوبة لتعديل الفكرة عن الديمقراطية التي قد يكون طالها التشويه بسبب ضعف الأداءات البرلمانية لبعض النواب السابقين.

إن ضعف الأداء البرلماني لا يشير إلا إلى قلة وعي مجتمعي بأهمية المجالس البرلمانية في تسيير شؤون الدول المدنية الحديثة. والعكس صحيح، فكلما كان أداء هذه المجالس قويًا، مبادرًا إلى طرح المشاريع التنموية واضعًا نصب عينيه تحسين مستوى المواطنين المعيشي ارتقى بأداء السلطة التنفيذية وصار المجتمع أكثر أمنًا وأمانًا، فلا الحكومة تريد مجلسًا ضعيفًا ولا المواطنون لهم الرغبة نفسها. فمن هم يا ترى الراغبون في أن يكون لنا مجلس ضعيف؟

الراغب الأول في ذلك طبعًا هم المشككون في المسار الديمقراطي الذي سلكته البحرين منذ إقرار شعبها ميثاق العمل الوطني في فجر هذه الألفية، ولكن إلى جانب هؤلاء ثمة يوجد نوعان من الناس لا يريدون للمجلس أن يكون قويًا، أما النوع الأول فنجد فيه الضعفاء من أفراد السلطة التنفيذية الذين تُبرّر رغبتهم بطمعهم في أن يؤمنوا أنفسهم من مساءلة النواب واستجواباتهم التي تضعهم أمام مسؤولياتهم الوطنية، وليس علينا في هذا الإطار إلا أن نتأمل مجريات الجلسات البرلمانية على مدى الخمس دورات الماضية لنتخذ منها العبر والدروس. وأما النوع الثاني فنجد فيه ضعاف النواب ممن يعقدون العزم على استثمار المدة النيابية لتلميع شخصياتهم عسى أن ينتقلوا بعد أربع سنوات إلى موقع آخر ظنًا منهم بأنهم أسدوا خدمة للحكومة!

البحرين تحتاج مجلس نواب قويًا وتستحق أن تجد في شعبها ما يحقق رغبة ملك البلاد المعظم في نحت عقلية مواطنية واعية ومسؤولة ومحبة لبلدها حب الأفعال لا حب الأقوال، ولعل ترشح الأكفأ من أبناء البحرين وترشيحه ليكون ممثل الشعب في مجلس النواب واحد من التعبيرات الراقية عن هذه المواطنة، فلنكن في مستوى الثقة لنهد مملكتنا الحبيبة مجلسها النيابي القوي عبر حسن اختيار المرشحين الذين سيضمنون لنا مؤسسة دستورية تحفل بالمشاريع الحيوية التي تحتاج من النائب معرفة وعلمًا وتخصصًا وخبرة، ولنتذكر دائمًا أن قوة المجلس أو ضعفه متوقفة على الناخب من جهة وعلى المترشح من جهة ثانية وأن الحكومة ستتعامل بمنطق الدستور وحده مع ما ستفرزه الانتخابات.