تناولت في مقالي الأسبوع الماضي جانبًا من الرؤية الملكية في عدد من المواقف والأحداث التي مرت بالبحرين في السنوات العشرين الماضية في خضم الفوضى السياسية والأمنية والصراعات والحروب التي اجتاحت المنطقة لتحقيق أهداف ومصالح الدول صاحبة المصالح في الشرق الأوسط وعلى وجه الخصوص منطقة الخليج العربي. إلا أن البحرين ورغم الظروف والأحداث التي مرت بها في تلك الفترة ، قامت بمعالجتها بمزيج من الرؤية الملكية والحكمة السياسية والاستراتيجية المتكاملة من أجل وطن آمن ومستقر.

وكنت مخططًا أن أكتب مقال هذا الأسبوع حول الرؤية الملكية في مجلس التعاون ، إلا أنني عندما تأملت المبادرات والرؤى وخطط ومشاريع وبرامج التنمية في البحرين وجدت من الأهمية أن يكون المقال الثاني مكملاً لما سبقه في الداخل ويستوجب أبرازه بشفافية ووضوح ذلك نظرًا لأهمية تسليط الضوء على ما تم انجازه، انطلاقًا من أن البحرين... هذا البلد الصغير بجغرافيته، العظيم بحضارته وإيمانه بدوره في المنطقة والمحاط بقوى إقليمية ذات أطماع ورغبات توسعية، تمكن من تعزيز جبهته الداخلية وتعزيز علاقاته الدولية من خلال ما تحقق على أرضه من إنجازات ومبادرات.

من هنا وعندما تتوالى الأحداث وتؤثر على مجريات التاريخ، يتبلور القادة العظام الذين صنعوا التاريخ في لحظات حاسمة أثرت على مسار البحرين وتقدمها وتطورها، والدليل الأقرب الينا تلك الرؤية الملكية عندما اتخذ جلالته عام 2001 قرار الدفع بالبحرين نحو آفاق الديمقراطية المتنامية التي اتخذت نهج التطور المتدرج هدفًا لبلوغها، وإثراء التجربة خطوة بعد أخرى من أجل إرساء قواعد العمل الديمقراطي المتجدد في المملكة على مختلف الأصعدة. وكان من نتائجها مواصلة شعب البحرين مشاركته وتجاوبه في ظل القيادة الحكيمة لاستمرار مسيرته الحضارية ومحطاته البارزة من أجل وطن أكثر جمالاً واملاً في غد مشرق جديد، تأكيدًا للمواطنة الواحدة والوطن الواحد والولاء الواحد والتعايش السلمي والتسامح التي هي مجتمعة عنصر الأمن والاستقرار في عالم يموج بمتناقضات عديدة وصراعات طائفية عنيفه لم تشهدها الإنسانية طوال تاريخها.

وها نحن نشاهد حولنا كيف استطاعت الرؤية الملكية وأبعادها وأهدافها من حماية البحرين وشعبها، في الوقت الذي نرى الدمار والدماء والصراعات والحروب قد تلاعبت ومزقت دولاً وشعوبًا عربية عظيمة حولنا وأصبحت تابعة لايران وأهدافها التوسعية وتراجع المواطن في هذه الدول الى مستويات متدنية في حالته الاجتماعية والتعليمية والصحية بعد أن فقد الأمن والأمان رغم ما تنعم به بلاده من خير ونعمة وثروات نفطية ومياه وزراعة. من ذلك تتضح لنا كيف شكلت الرؤية الملكية لصاحب الجلالة أساس العمل والبناء والطموح فيما وصلت اليه البحرين، كما اصبحت البحرين بقيادة صاحب السمو ولي العهد رئيس الوزراء نموذجًا للدولة العصرية التي اعتمدت على الانسان البحريني الذي صنع تاريخها ويمكن اختصار ذلك في الشواهد التالية:

أولاً: خطة التوازن المالي والاستراتيجي التي وضعها صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء وفريقه الحكومي مما ساعد البحرين على تجاوز الأزمة المالية ونجاح خطة التوازن المالي والاقتصادي في فترة قصيرة جدًا سوف يؤدي الى إعادة البحرين لمكانتها الدولية في عالم المال والاقتصاد واحتواء اية مضاعفات سلبية على الوطن وخططه التنموية .

فقد وضعت الحكومة خارطة طريق اقتصادية جديدة لتحقيق التوازن المالي بحلول 2024، من خلال بلورة استراتيجية مرحلية تستهدف تكثيف جهود تعزيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة ودعم سوق العمل وتوسيع الشراكات مع القطاع الخاص في مشاريع البنية التحتية وتحصيل المزيد من العوائد من بوابة مضاعفة ضريبة القيمة المضافة.

ثانيًا: الاستقرار السياسي:

1. لقد تمكنت الرؤية الملكية من تثبيت الأمن والاستقرار في البحرين في طريقة معالجتها للأحداث المؤسفة عام 2011 والتي حاولت الولايات المتحدة وإيران وأيادٍ اخرى معروفة استغلالها من أجل إثارة الفوضى في الشارع البحريني والقضاء على كل الانجازات الحضارية الكبيرة التي حققتها البحرين.

ويعتبر استمرار العملية الانتخابية لمجلس النواب والمجالس البلدية من أهم مؤشرات نجاح الرؤية الملكية في ازالة كل ما يقف أمام تطلعات المواطنيين وتحقيق أهدافهم تحت قبة البرلمان الذين انتخبوا ممثليه بإرادتهم الحرة لتحقيق ما يريدون بطريقة حضارية، تشهد بأن البحرين - وكما كانت منذ غابر العصور - سائرة في طريقها الصحيح نتيجة لتصديها بحزم وقوة للتدخلات الخارجية والعبث الداخلي الممول والمبرمج من قوى خارجية معروفة تمامًا.. يقول المثل: (القافلة تسير والكلاب تنبح).

2: البحرين مقر الأسطول السادس:

لم تزل البحرين هي أساس أمن واستقرار المنطقة أمام التحديات والتهديدات الايرانية التي استهدفت دول مجلس التعاون وخطوط النفط العالمية والتجارة الدولية في أعالي البحار، وها هي ومنذ أكثر من سبعين عامًا في مقدمة المدافعين عن مياه الخليج العربي ودوله من المغامرات الايرانية، وذلك بسبب استمرار علاقاتها التعاقدية وصداقتها المتينة بالولايات المتحدة الامريكية مما ساعد على استمرار تواجد الأسطول السادس للبحرية الامريكية في قاعدته بالجفير الذي يعتبر أساس سد الفراغ الامني بعد الانسحاب البريطاني الى شرق السويس عام 1968. ويقوم الأسطول السادس بمهام استراتيجية اساسية بتأمين إمدادات النفط من الخليج العربي إلى الأسواق العالمية، ومراقبة ايران عن قرب والإشراف على عمليات عسكرية في الخليج العربي وبحر العرب وأجزاء من المحيط الهندي كما يشارك بشكل مباشر في العمليات العسكرية في كل من العراق وافغانستان ومكافح القرصنة والارهاب في المياه الدولية.

3: تطوير مصفاة النفط (بابكو):

لقد كان من نتائج الرؤية الملكية أن تحافظ البحرين على استمرار تدفق النفط منذ اربعينيات القرن الماضي وأهميتها وموقعها كميناء استراتيجي لتصدير النفط الى العالم الحر دون توقف، لذلك كانت خطط تطوير مصفاة النفط في سترة وتطوير الميناء النفطي من أهم المشاريع الكبرى التي اعتمدتها المملكة في ميزانيتها لمواجهة الزيادة المتوقعة للنفط السعودي الذي يتم ضخه من مناطق انتاج البترول في المنطقة الشرقية الى مصفاة البحرين في سترة. وتتمثل أهمية مشروع تحديث مصفاة النفط في كونه المشروع الصناعي الأكبر والأضخم في تاريخ البحرين، بحجم استثمارات يصل إلى 4.2 مليار دولار، ويستهدف رفع الطاقة الإنتاجية في المصفاة إلى 360 ألف برميل يوميًا من نحو 267 ألف برميل يوميًا حاليًا، كما أنه يسلط الضوء على توجهات الحكومة بقيادة صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء بمواصلة وتيرة البناء رغم التحديات التي يشهدها الاقتصاد العالمي.

تلك كانت علامات ومؤشرات للرؤية الملكية والحكم الرشيد وبناء الأوطان على أسس صحيحة ودائمة.. تلك كانت رؤية استطاعت أن تحمي الوطن والمواطن وتسير به الى بر الأمان رغم الظروف والأحداث التي مر بها الوطن في السنوات الماضية. ولكن الإرادة الوطنية بالتضامن مع الرؤية الملكية هي التي حققت معجزة اسمها (البحرين).. لإلى مقالي الثالث الأسبوع القادم حول الرؤية الملكية في إطار مجلس التعاون.