عبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن رغبة بلاده في أخذ العضوية الكاملة في منظمة شنغهاي التي تم تأسيسها من قبل الصين وروسيا في تسعينات القرن الماضي والتي تضم الدول التي تدور في فلكهما، ولكن سرعان ما انضمت دول أخرى متأثرة جيوستراتجيا بهذين القطبين منها الهند وباكستان. طلبت الولايات المتحدة الانضمام كشريك حوار، ولكن قوبل طلبها بالرفض. تصريح الرئيس التركي الأخير ينسجم مع السياسة التركية السائدة على امتداد السنوات الأخيرة والقائمة على اللعب على خيوط مختلفة وتغيير المواقف يمنة ويسرة، بما يتجاوز حتى البرجماتية التقليدية. تركيا التي تطلب عضوية منظمة شنغهاي ليست كأي دولة أخرى بل هي دولة عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) يفترض أنها حليفة للغرب وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية. المتابع للسياسة التركية يكاد ينسى في بعض الأحيان أن أنقرة عضو في الناتو وأنها حليفة مفترضة لواشنطن لأنها تضع أصابعها في مختلف الاتجاهات المتناقضة. عندما وقف الناتو صفا واحدا في مواجهة روسيا بعد الغزو الروسي على أوكرانيا، كانت تركيا هي الطرف الوحيد الذي شذ عن القاعدة، تحت يافطة الوساطة بين روسيا والغرب وكذلك بين روسيا وأوكرانيا، ولكن في الحقيقة الدول الغربية لم تثق بهذه الوساطة، بل إن معظم الأوساط السياسية والأكاديمية اعتبرت الموقف التركي موقفا انتهازيا يسعى للحصول على تنازلات من الجانب الروسي في ملفات عالقة بينهما وكذلك الحصول على تنازلات من الغرب وخاصة واشنطن. حصل أردوغان من موسكو على تفهم للسياسة التركية في سوريا تمثل في ضوء أصفر للقيام بعملية عسكرية في شمال سوريا في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، ولكن هذا الموقف الروسي ليس مجانا بل عبر موافقة أنقرة على تطبيع علاقاتها مع النظام السوري وهو ما بدأ بالفعل عبر زيارة رئيس الاستخبارات التركية إلى دمشق وتصريحات متوالية من مسؤولين أتراك وعلى رأسهم أردوغان في هذا الاتجاه، كما حصلت تركيا من روسيا على اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود.

لعبة البهلوان التي يحاول الأتراك تطبيقها على مختلف الجبهات واللعب على كافة الحبال لم يقبلها البيت الأبيض ولم يستسغها، لذلك ما أخذته تركيا في اليد اليمين من روسيا سرعان ما فقدته في اليد اليسار، فقد رفضت واشنطن رفضا مطلقا (حتى الآن على الأقل) أن تسمح لتركيا بالقيام بعملية عسكرية ضد قسد، بل إن واشنطن أقامت مناورات مشتركة مع القوات الكردية قبل عدة أسابيع. كما أن واشنطن والدول الغربية أخذت جانب اليونان في الاحتكاكات الأخيرة التي حدثت بين أثينا وأنقرة. وأخيرا جاءت تصريحات السيدة نانسي بيلوتسي في يريفان عاصمة أرمينية لتقطع الطريق على أي محاولات أذرية بدعم من تركيا لتغيير المعادلة بين أرمينيا وأذربيجان، كما أن الضغط الأمريكي على الاقتصاد التركي ما زال مستمرا بالرغم من خفوت الصخب الذي كان في عهد ترمب.

وصف الرئيس الفرنسي يوما حلف شمال الأطلسي بأنه ميت سريريا، وكان ذلك بسبب العلاقة المتوترة بين باريس وأنقرة، حلف الأطلسي دبت فيه الروح بعد الحرب الروسية في أوكرانيا ولكن ما أصبح ميت سريريا فهو التحالف التركي - الأطلسي بكل تأكيد، والأيام القادمة سوف تشهد امتحانات عسيرة لهذا التحالف.