مثلما يحتاج التوصل إلى توافق بين القوى السياسية والكتل النيابية السيادية إلى توافق على اسم لرئيس الجمهورية على افتراض أن بإمكانها أن تجمع الـ67 نائباً الذين تتشكل منهم، كذلك الدول المعنية بوضع لبنان تحتاج إلى تفاهم حول أي تركيبة سياسية ستدعمها كي تدير الأزمة السياسية الاقتصادية اللبنانية والحلول الممكنة لها، لست سنوات مقبلة. مساندتها لبنان تتطلب وضوحاً بالنسبة إليها حيال تلك التركيبة، التي عجزت عن تغييرها منذ أن اكتشفت أن انتشال البلد من الحفرة غير ممكن من دون إدارة دولية لإعادة بناء اقتصاده وتصحيح مساره.

لا يعني أن تفاهم هذه الدول سينسحب على القوى السياسية اللبنانية. فالشرذمة اللبنانية تفوق قدرة الخارج على دفع اللبنانيين إلى تسويات بينهم في ظل وجود قوة عسكرية طاغية على المؤسسات والحياة السياسية، تعيق انتظامها واتضاح خياراتها.

البيان الثلاثي السعودي الأميركي الفرنسي الذي صدر أول من أمس في نيويورك شكل نقلة جديدة في التفاهم بين الدول الثلاث على سبل التعاطي مع لبنان، من دون أن يلغي ذلك التباينات في بعض المقاربات بينها حول بعض العناوين.

سواء صح انطباع بعض الفرقاء اللبنانيين، وربما بعض العواصم العربية بأن العلاقة الحوارية بين فرنسا وبين إيران و»حزب الله» تقود باريس إلى موقف متساهل حيال الحزب وحيال بعض القوى السياسية المطالبة بتعديل اتفاق الطائف ومنها «التيار الوطني الحر» الذي يدعو إلى تعديلات دستورية، أم لم يصح، فإن بيان نيويورك كان حاسماً في تبديد هذا الانطباع. فالدول الثلاث وضعت الطائف في مصاف تمكين لبنان «من الحفاظ على وحدته الوطنية وسلمه الأهلي». وهو أمر يزيل أي لبس في شأن وجوب تطبيقه.

الأمر الثاني الذي عبر عن حسم التوافق في المقاربة هو ما نص عليه البيان بأن الدول الثلاث «تقرّ» بالدور الذي يلعبه الجيش وقوى الأمن الداخلي في حفظ الاستقرار في ظل الوضع الأمني الحرج. وهذه النقطة تعني أن الجانب السعودي الذي كانت لديه شكوك حول دور الجيش، جعلته يتردد في دعمه نظراً إلى هيمنة «حزب الله» على المؤسسات قد عدل نظرته إلى الجيش وقوى الأمن. والرياض عبرت عن هذه الشكوك في مرحلة سابقة من محادثاتها مع باريس. والملاحظ أن هذه الفقرة جاءت في وقت تبلغ الجانب اللبناني من الأمم المتحدة بأنها تعد آلية لصرف مبلغ 83 مليون دولار أميركي للمؤسستين العسكريتين، بتمويل من الإدارة الأميركية، أقره الكونغرس الشهر الماضي، لدعم رواتب العسكريين في ظل انخفاض قيمتها إلى الحضيض. فالجيش يحتاج مبلغ 8 ملايين دولار شهرياً لدعم الرواتب، ما يعني أن هذه الآلية ستخدم أكثر من عشرة أشهر. وقد تعبِّر موافقة الرياض على هذه الفقرة في البيان عن ليونة من جهتها في تقديم الدعم للجيش وقوى الأمن لاحقاً.

هل ان هذه اللفتة إلى الجيش وقوى الأمن «بصفتهما المدافعين الشرعيين عن سيادة لبنان واستقراره الداخلي، في حماية الشعب اللبناني» مؤشر إلى إمكان الدعم الخارجي لترشيح قائد الجيش للرئاسة؟ من المؤكد أن الدول الثلاث لن تتصرف على أن هذا هدفها. إلا أن سؤال بعض اللبنانيين للعواصم الثلاث عن هذا الخيار قوبل أكثر من مرة، إما بعدم الممانعة أو بالحياد حيال اسم العماد جوزاف عون، إذا اتفق عليه اللبنانيون، بينما لهذه العواصم تقييم يتوخى الموضوعية، لا ينظر بإيجابية إلى مرشحين آخرين، فالبيان تحدث عن رئيس «يمكنه توحيد الشعب اللبناني»، بدلاً من رئيس يعمق الانقسام.

نص البيان الثلاثي على القرارات الدولية 1559 و1680 و1701 و2650، الذي جدد مهمة القوات الدولية، تذكير برفض الدول المعنية المحاولات التي بذلها تحالف «حزب الله» مع البعض في السلطة من أجل استبعاد مرجعية هذه القرارات في معالجة مسألة سلاحه، وتشددها في التعاطي مع التعديات المبرمجة على «اليونيفيل». تعداد هذه القرارات دعوة إلى عدم التشاطر اللبناني.