تداخل الفكر العربي الإسلامي في فترات تاريخية مختلفة مع الموروث الفارسي والتركي والهندي واليوناني والصوفي الفلسفي.

فقد كان لكل موروث مصطلحاته ومفاهيمه ودلالاته الثقافية والفكرية والفلسفية والنفسية التي تختلف اختلافًا جذريًا عن الفكر العربي الإسلامي.

فبعد أن استقر الإسلام وانتشر خارج الجزيرة العربية ظهر علماء في الدين الإسلامي من غير العرب تداخلوا مع النص الديني تأويلًا وتفسيرًا وشرحاً واستنباطاً وتحليلاً وقد كان أولئك العلماء تأثروا بمكوناتهم الثقافية وموروثاتهم والتي قد لا تستطيع الوفاء بمضامين النص الديني كما هو في أصله العربي.

وقد اعتبر الفقهاء اللغة العربية جزءًا من ماهية القرآن الكريم وفي هذه الحالة تكون اللغة العربية مقوماً أساسياً من مقومات الإسلام.

فعلاقة النص الديني باللغة العربية علاقة حيوية، فلا يمكن فهم وإدراك النص الديني فهمًا حقيقيًا خارج سياق اللغة العربية. فالعقيدة الإسلامية بالنسبة للعرب تمثل أقوى تعبير عن وحدتهم وشخصيتهم ولغتهم في وحدة تندمج فيها اللغة بالشعور والفكر.

هناك ارتباط ضمني بين العرب والإسلام عقيدةً وثقافةً ولغة ووجدانًا ولكن هذا لا يعني كما يقول الدكتور محمد عابد الجابري أن الإسلام عربي، فالخطاب في القرآن الكريم موجه إلى الناس كافة، إذ لم يقم العرب بتنفيذ تعاليم الدين بوصفهم عرباً وإنما بوصفهم مسلمين.

وهذا الطرح يدخلنا في مسألة العلاقة ما بين الدين والقومية ولكن على أي حال الدين مقدم على القومية ولكن ليس هذا هو موضوعي الآن.

فما أردت الحديث حوله هو أنه من واقع مطالعاتي وقراءاتي ودراساتي لكتابات بعض المفكرين والعلماء الإسلاميين لاحظت أن بعضهم وقع في أخطاء فكرية وعقدية بسبب اللغة وربما بسبب الفكر اللذين لم يمكناهم من تكوين فكرة كاملة عن الإسلام فقد تداخلت أفكارهم وموروثاتهم مع الأفكار الإسلامية، ونتج عنها شروح وتأويلات واستنباطات غير صائبة أفضت إلى تأويل أحكام الدين تأويلًا بعيداً عن النص الشرعي بسبب رداءة اللغة.

فالأساس الذي يُعتمد عليه في تأويل القرآن الكريم وتفسير آياته هو أن يتفكر المرء في كلمات، وصيغ الآية التي يريد أن يعرف معناها من حيث اللغة أولًا، ثم يضعها في سياقها، ثم يراجع ما ورد في مختلف مواضع القرآن الكريم من الآيات المتعلقة بنفس مضمونها.

ولكن هذا المنهج لا يأخذ به بعض أولئك العلماء فهذا المفكر الإسلامي [سيد أحمد خان] والذي ينحدر من عائلة هندية ذات صلة وطيدة بالمغول يقدم تأويلات لمعجزات الأنبياء تتماشى مع الموروث الهندي الأسطوري [فقصة إبراهيم عليه السلام مع الطيور الأربعة هي عنده رؤيا منامية، وقصة فلق البحر لموسى عليه السلام يقول سيد خان إن الضرب في قوله تعالى : [وقلنا اضرب بعصاك البحر] معناها المشي والذهاب كما تقول الضرب في الأرض، فالله يأمر موسى بالسير في البحر الذي كان في ذلك الوقت مخاضة ضحلة، والحوت الذي التقم يونس عليه السلام لم يبتلعه، ثم لفظه من جوفه وإنما التقمه بمعنى أمسكه بفمه.

وميلاد عيسى عليه السلام عند سيد خان لم يكن معجزة، بل كان ميلادًا طبيعيًا من زواج، والملك الذي بشر مريم بمولودها فقالت [أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر] أتاها في رؤيا في النوم قبل الزواج، ووصف مريم عليها السلام بأنها التي أحصنت فرجها لا يعني أنها عذراء بل هو وصف لها بالطهارة من دنس الرذيلة، ووصف عيسى عليه السلام بأنه كلمة من الله أو روح منه لا يشير إلى أن ميلاده كان شيئًا خارقًا غير عادي وعيسى عليه السلام عنده أنه توفى وفاة عادية ومات كما يموت سائر البشر، ويستدل على ذلك بقوله تعالى: [إني متوفيك]، أما رفعه إليه فلا يعني رفعه إلى السماء بل هو رفع منزلته.

وقصة خلق آدم يفسرها سيد خان في ضوء نظرية داروين فالماء والطين تفاعلا كيمياويًا فكانت النتيجة خلية حية من الممكن أن تكون هي الأصل لكل الكائنات الحية من حيوانات وإنسان، وآدم الذي يجيء ذكره في القرآن لا يعني فرداً بعينه ولكنه رمز للإنسانية جمعاء ولم تحدث محاورة حقيقية بين الله سبحانه وتعالى والملائكة عن خلق البشرية ولكن جاء تعبير عن المواهب التي منحها الإنسان -[وعلمه الأسماء كلها]- في شكل قصصي أدبي ليقرب فهمه للناس.

والملائكة ليست كائنات ذات أجنحة، وتتشكل بل الملائكة هي قوى الطبيعة، وفي الإنسان المقصود بها قوى الخير، والشياطين قوى الشر، والجن قبائل بدائية كانت تعيش في جزيرة العرب وكانت خاضعة للملك سليمان عليه السلام.

ووصف الجنة والنار ليس هو وصف لأمور حسية بل هي إشارات رمزية لحالات نفسية من الألم والعذاب.

هذه الانحرافات العقدية من نسج سيد أحمد خان وكان سيد خان نشأ في أجواء مشبعة بالخرافة والأساطير والتصوف الهندي، ناصرَ في شبابه الإنجليز أثناء الاستعمار وكان ذلك نابعاً من إعجابه المفرط بهم.

وضع تفسيراً عصرياً للقرآن الكريم اشتمل على كثير من الخرافات، وخالفَ فيه كتب التفسير القديمة والحديثة وتأويل ما ظنه تعارضاً ما بين كلام الله وقوانين الطبيعة.

والمفكر [مولانا محمد علي] من طائفة القاديانية نجد له في أحد كتبه بعض الآراء الفقهية، التي يحل فيها زواج المسلم من الهندوسية باعتبار أن لهما ديانة وكتباً مقدسة اعتمادًا على أن بعض الفقهاء اعتبر أن الصابئة من أهل الكتاب.

أما الدكتور محمد إقبال يرى أن قصة هبوط آدم كما جاءت في القرآن الكريم لا صلة لها بظهور الإنسان الأول على هذا الكوكب وإنما أريد بها بالأحرى بيان ارتقاء الإنسان من الشهوة الغريزية إلى الشعور بأن له نفساً حرة قادرة على الشك والعصيان.

ويقول عن الجنة والنار: "أما الجنة والنار فهما حالتان لا مكانان ووصفهما في القرآن تصوير حسي لأمر نفساني أي لصفة أو حال".

ويعرف إقبال الاجتهاد قائلاً: "وأصل الاجتهاد على ما أعتقد هو قول القرآن في آية مشهورة (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) وهذا الاستدلال يكشف أن إقبال لم يكن آنذاك على الأقل عميق المعرفة بالثقافة الإسلامية وإن كان إقبال اعترف في آخر حياته بأنه ارتكب أخطاء شنيعة".

كانت تلك بعض النماذج لآراء وأفكار لما يطلق عليهم مفكرون إسلاميون والذين لم يستطيعوا أن يكوّنوا فكرة صافية عن الإسلام.

وعند ذلك يتضح لنا نهج وطريقة تفكيرهم من خلال تداخل موروثاتهم مع أفكارهم الإسلامية.