تابعت الأسبوع الماضي الوداع الضخم الذي نظم لملكة بريطانيا الراحلة إليزابيث الثانية، والذي حضره مسؤولون كبار من مختلف أنحاء العالم. وأول ما لفت النظر في هذا الوداع الضخم هو تمسك المملكة المتحدة بتقاليدها وعاداتها عبر مئات السنين. وهذا ما استوعبته من قبل، خلال دراستي في جامعة برادفورد شمال لندن.

من ناحية أخرى، فإن من تابع جنازة الملكة، وهي جنازة دولة، قد لاحظ إن رؤساء الوزراء السابقين قد تم إيقافهم عند بوابة الدخول إلى كاتدرائية وستمنستر آبي، التي نقل إليها نعش الملكة، وتم تجميعهم ابتداء من توني بلير وحتى آخر رئيس للوزراء، قبل أن يقتادوا للجلوس في الأماكن المخصصة لهم. وهذا يعنى أن موقعهم ومكانتهم في كاتدرائية وستمنستر آبي، ثانوية، وإنهم في هذه المناسبة الحكومية الكبيرة محكومين وليسوا حاكمين. فالترتيبات، قد أشرف عليها البلاط الملكي البريطاني وليس رئاسة الوزراء في داوننغ ستريت 10.

وهذا يعني أن بريطانيا تحكمها مؤسستين: الأولى عريقة تتزعمها الأسرة الملكية، والثانية حديثة يتزعمها رؤساء الوزراء -مع الفارق- فالمؤسسة الأخيرة ليست بنفس عمق ولا أصالة المؤسسة الأولى التي مضى عليها قرون. وليس ذلك وحسب، فالأسرة الملكية في بريطانيا هي من وضع الأسس التي تسير عليه المملكة المتحدة الآن. وهذا يعني أن الرفاهية والاستقرار الذي تشهده المملكة المتحدة هو من صنعها.

إنها عملية طويلة ومعقدة، مرت بمراحل واستغرقت وقتاً طويلاً، حتى وصلت المملكة المتحدة إلى ما وصلت اليه من تقدم وازدهار. فقد لاحظ المتابعون لترتيبات الجنازة الضخمة كسر كبير أمناء البلاط الملكي اللورد تشامبرلين للعصاة، التي ترمز إلى ضرورة الأدب وحسن السلوك. فالتقاليد البريطانية التي رأيناها في الجنازة، أو خلال افتتاح دورات البرلمان السابقة، كلها تحكي تاريخ المملكة المتحدة والدور البارز للأسرة الملكية في الانضباط والتطور الذي ينعم به الآن هذا البلد.

ولذلك، وأنا أتابع مراسم وداع الملكة إليزابيث، التي أظهرت مدى التحام الشعب والتفافهم حول الأسرة الملكية، وامتنانهم للدور الذي لعبته في حياتهم، خالجتني مشاعر عدة، ونحن نحتفل بالعيد الوطني لبلدنا. فأولاً وقبل كل شيء هو الدور البارز للأسرة الملكية الحاكمة الكريمة وآل سعود في الوحدة التي أنعم الله بها علينا. فهذا الأمن والاستقرار الذي يشهده بلدنا هو ثمرة العمل البطولي الذي قام به مؤسس بلدنا صاحب الجلالة الملك عبدالعزيز -تغمده الله برحمته-. فنحن السعوديون مثل البريطانيون يمكن أن نختلف حول أمور كثيرة، ولكن متفقون في الولاء للأسرة الحاكمة ودورها في التطور والازدهار الذي نشهده.

فلتبقى راية هذا البلد مرفوعة خفاقة بقيادة الأسرة الملكية التي هي ضمان تقدم واستقرار بلدنا.