في مقالين سابقين تناولت الرؤية الملكية من جوانب عدة.. دفعني للقيام بذلك اجتماعي بمعالي وزير الخارجية الدكتور عبداللطيف بن راشد الزياني في القاعة الزرقاء بوزارة الخارجية التي أعادتني الى الوراء مستذكرًا الاجتماعات واللقاءات الثنائية التي عقدتها في تلك القاعة الجميلة التي تحمل جدرانها -لو تكلمت- اسراراً لعلاقات مملكة البحرين الاقليمية والدولية.

لقد كان حديث معالي الدكتور عبداللطيف بن راشد الزياني وزير الخارجية حديثًا من القلب الى كتاب الاعمدة والمقالات في صحفنا المحلية وكان حديثة واضحًا جدًا في تقديم كافة المعلومات التي تهم الكاتب فيما يتعلق بسياسة مملكة البحرين الخارجية التي يقودها سيدي جلالة الملك المعظم وصاحب السمو الملكي ولي العهد ورئيس الوزراء الامين، وكان علينا أن نستوعب الرؤية والافكار التي طرحها معاليه وأن نقدمها للقارئ ليعرف ما يجرى حوله خلف كواليس السياسة والدبلوماسية. ووجدتني أكتب وأكتب لأضع افكاري وتحليلاتي في مقالاتي بجريدة الايام كل يوم ثلاثاء. إلا أن ما تناولته كان جزئيًا في المقالين السابقين لم يغطِ الرؤية كاملةً. أما مقال اليوم فقد خصصته للرؤية الملكية في الاطار والبعد الخليجي الذي هو الحصن الحصين لأمن البحرين واستقرارها، المؤمنة بأن مجلس التعاون الذي تأسس عام 1981 لابد أن يصل الى اهدافه في الوحدة الخليجية الشاملة كما نصت على ذلك المادة الرابعة من نظامه الاساسي.

لذلك فإن الحديث حول الدور الهام والرؤية الملكية في هذا الجانب يطول كثيراً، خاصة فيما يتعلق بتعزيز وتأكيد رؤية صاحب الجلالة المعظم نحو مجتمع بحريني تترسخ فيه مبادئ ودعائم الدولة الوطنية الحديثة القائمة على التوجه الديمقراطي ودولة المؤسسات وسيادة القانون وحماية حقوق الانسان والتركيز على برامج ومشاريع التنمية المستقبلية الشاملة التى تقوم على الشفافية والتعاون المجتمعي والمساواة والعدالة والمشاركة الشعبية وتوفير فرص العمل والرعاية الصحية وتدفق المبادرات والمعلومات المستمرة للمواطنين دون عائق، مع الأخذ بعين الاعتبار الولاء الكامل والتام للدولة الوطنية وليس لأي جهة خارجية دينية او سياسية.

لذلك تبقى الحقيقة الثابتة وهي الايمان أولاً بالمواطن البحريني كأساس للتنمية والبناء والتطوير والمشاركة في اتخاذ القرار الذي يساعد على مزيد من تنشيط المجتمع وفاعليته وتحقيق اهدافه وتطلعاته في عالم لا يعرف الانتظار في محطاته المتتاليه التي لا تقبل التوقف، لان قطار التطور والبناء يمر بسرعة البرق في عالم التكنلوجيا وتدفق المعلومات.

لذلك فإن الرؤية الاقتصادية والسياسية للبحرين لا يمكن فصلها عن محيط مجلس التعاون الذي هو طوق النجاة وصمام الامان انطلاقًا من الشراكة الأمنية الخليجية بعد التوقيع على الاتفاقيات الامنية والدفاعية بين دول مجلس التعاون وكذلك مع الاصدقاء او الحلفاء التاريخيين لدول مجلس التعاون، وذلك من اجل الحفاظ على الأمن والاستقرار والأمن والسلم في اطار من العمل والتنسيق المتبادل والتعاون والتكامل الذي يعد ركنًا اساسيًا مهمًا في أمن منطقة الخليج وضمان تدفق النفط عبر خطوط الملاحة الدولية في اعالي البحار.

ولابد لنا هنا من التوقف والمراجعة الدقيقة لمستقبل العلاقات بين دول مجلس التعاون التي وضعها جلالته في اطار رؤيته لتطوير مجلس التعاون وجاءت في قراءة مستقبلة متقدمة للواقع القائم كالتالي:

«حقق مجلس التعاون خلال مسيرته المباركة الكثير من الانجازات المشتركة والتقارب المنشود وهو اليوم مرشح للمزيد من التقارب والتلاحم ومطالب بالمزيد من التنسيق والتعاون بما يسمو به الى مستوى الاتحاد الفعال مواكبة للحركة المتسارعة في العالم واستجابة لتطلعات شعوبه المؤمنة بأن مصالحها لا يمكن ان تتحقق او تصان إلا بالتماسك والاتحاد.

من تلك الرؤية الملكية المتقدمة على الزمن يتضح ايمان جلالته بتحقيق وتفعيل دور مجلس التعاون على نحو يستشعره المواطن الخليجي خلال حياته اليومية، لذلك جاءت مقترحات البحرين وافكارها ومبادراتها كالمواطنة الخليجية والسماح بازدواج الجنسية والآثار السلبية للعمالة الوافدة ومشروع سكة الحديد وتصديق البحرين على اتفاقية الدفاع المشترك والاتفاقية الاقتصادية انعكاسا لايمانها بالمصير الواحد لمواطني دول مجلس التعاون وتحقيق التكامل الاقتصادي بين دوله.

كما أكدت رؤية جلالة الملك المعظم على اهمية ان يحافظ مجلس التعاون على سيادته واستقلاله الوطني ومكتسبات مواطنيه، ومواجهة استحقاقات المتغيرات المختلفة خاصة الاستراتيجية منها في المنطقة، التي تتطلب التبصر فيما نعيشه الآن من طبيعة التحولات والمستجدات، وما علينا القيام به من خطوات للمستقبل، تبدأ بالتخلي عن سيطرة المصلحة الوطنية الآنية والانطلاق الى فضاء المصلحة العامة المستقبلية لدول ومواطني المجلس عند تقييم المشاريع واتخاذ القرارات. وهي رؤية تجاوزت زمانها وتتطلب فعلاً قرارات جادة لتفعليها إن كانت لدى مجلس التعاون الرغبة الفعلية ان يكون مجلسًا فاعلاً في اطاره الاقليمي والدولي للتصدي للاطماع والاخطار والمؤمرات المتعددة والمتجددة المحيطة به سواء من الاقليم او خارج الاقليم.

وتتناول الرؤية الملكية العديد من الافكار المهمة في تعزيز مكانة مجلس التعاون وفاعليته التي تعتمد على مدى قوة المنظومة والتماسك والتقارب بين دولها الاعضاء، لذلك فإن مقال الاسبوع القادم سيكون مكملاً لرؤية جلالته حول البعد الخليجي والدفاع والامن والتكامل الاقتصادي والتقني وأبعاد اخرى سوف تكون استكمالاً لمقالاتي في الرؤية الملكية وأبعادها المتعددة.