هناك فارق بين هجرة شرعية عبر البحار في أوقات طبيعية وغير طبيعية وبين فرار عن طريق البحر للتخلص من جحيم يعيشه الإنسان فيحاول الهرب منه بشتى الوسائل.

يوم هاجمت الجحافل الفلسطينية والمتحالفون معها بلدة الدامور في كانون الثاني من العام 1976 إضطر الناجون من المجزرة للفرار عبر البحر إنطلاقا من قصر الرئيس كميل شمعون في السعديات وسط ظروف أمنية ومناخية صعبة فرضها فصل الشتاء.

في خلال حرب التحرير التي شنها العماد ميشال عون ضد القوات السورية في لبنان في آذار من العام 1989 لم يكن أمام اللبنانيين المسيحيين المحاصرين داخل المنطقة الشرقية سوى البحر للفرار من جحيم هذه الحرب مستخدمين مرفأ جونية للتوجه إلى قبرص، وقد طبعت عمليات الفرار هذه مأساة غرق طفلتين شقيقتين وقد روت صحيفة الديار في عددها الصادر في 7 آب 1989 تفاصيل ما حدث فقالت: «ومساء اول من امس تجدد القصف المدفعي المتبادل وشمل مناطق المتنين الشمالي والجنوبي وكسروان ساحلاً ووسطاً والحمام العسكري وعين المريسة والمنارة والمزرعة وبلدات في عاليه والمتن الاعلى. واصابت القذائف زورقاً كان ينقل ركاباً من رصيف مرفأ جونيه الى السفينة «سانتا ماريا» فسقط ركابه في البحر، وانقذ احد عشر منهم وغرقت الطفلتان ربى ومايا عازار».

دار الزمن دورته وعاد اللبنانيون يسقطون بين العامين 2021 و2022 ضحايا في مياه البحر لأنهم رأوا فيه الوسيلة الوحيدة والمنفذ الوحيد للفرار من الجحيم الذي زجهم فيه المسيطرون على السلطة والممسكون بما تبقى من الدولة غير عابئين بتفاقم الانهيار وتصاعده، فاستمروا في اتباع سياسات الحروب الوهمية والمعارك العبثية، والأنكى أنهم يصدرون البيانات والمواقف التي تعزي أهل ضحايا الهجرة غير الشرعية وكأن لا يد لهم في ما ارتكب ويرتكب بحق اللبنانيين من جرائم.

إن ما أصاب اللبنانيين في هذا الزمن هو استمرار لنهج متبع منذ عقود تتقدم فيه المصالح الشخصية والخارجية على المصالح الوطنية، ولا ضير عند هؤلاء من أن يدفع اللبنانيون كل الأثمان الباهظة في سبيل أن يحقق أصحاب هذا النهج مآربهم، ولن تتبدل الحال طالما بقي هؤلاء يمسكون بالسلطة وقرارها ولو تغيرت وجوههم وسيبقى اللبنانيون مشاريع فرار وهجرة مستمرة نتيجة مشروع يراد من خلاله دفع اللبنانيين نحو البحر منذ العام 1975 وحتى اليوم.