المظاهرات التي تشهدها إيران منذ مقتل الشابة الإيرانية، وحتى الآن، تظهر تفاصيل مهمة تستحق التوقف عندها، وهي تشخص، وتلخص، واقعَ النظام بطهران، الذي استخدم، ويستخدم، كل أنواع العنف ضد مواطنيه.

المظاهرات الآنية يجب ألا يُنظر إليها من زاوية هل يسقط النظام أم لا؟ وإنما من زاوية أنها تقول لنا إن مشكلة النظام الحقيقية ليست مع الخارج، بل مع الداخل، وتحديداً المواطنين الإيرانيين، وها هن نساء إيران يقفن للمعممين وقفة لا يجرؤ عليها كل عملاء إيران بالمنطقة.
وبالتالي فمهما تحدث النظام عن نظرية المؤامرة، فإن أولَ من لا يصدقها هم الإيرانيون الذين يعون جيداً أن النظام يستغل الأزمات لترويج نظرية المؤامرة من أجل الهروب للأمام، ومن باب أن العدو يوحد، لكن عدو الملالي هم المواطنون.
كما أن المظاهرات الأخيرة، والقمع الوحشي الذي يقوم به نظام طهران، يشكلان عامل إحراج حقيقياً للولايات المتحدة، وأوروبا، ويظهر مدى نفاقهم وازدواجية معاييرهم تجاه دول المنطقة، سواء السعودية أو مصر، وغيرهما، مقابل جرائم النظام الإيراني.
وكتب هنا الزميل محمد اليحيى بعنوان: «لا مستقبل للشرق الأوسط بشباب محبط»، في 15 يونيو (حزيران) 2022، مسجلاً ملاحظة مهمة «يتمثل الفارق الأكبر» فيها «بين النموذجين السعودي والإيراني بالاختلاف الجذري، فيتوجه كل منهما في التعامل مع فئة الشباب».
وقال: «ففيما ترسخ إيران توجهاً عقائدياً متشدداً ورجعياً ومعادياً للغرب، وتمكن الشرطة والقوى الإسلامية من قمع تطلعات الشباب، توجهت السعودية للاستفادة من طاقات شبابها وتوظيفها في مواجهة التيار الإسلاموي المضاد والخطير والرجعي»، مضيفاً: «وبما أن نجاح أو فشل هذين النموذجين المتناقضين يمكن أن يسهم في إعادة رسم شكل المنطقة والعالم الإسلامي الأوسع في العقود المقبلة، فقد بات من الضروري للغرب أن يختار بحكمة بينهما». والكل في المنطقة بات يتحدث عن نفاق الغرب وازدواجيته.
وبالطبع، فإن جرائم ملالي طهران لا تقع بإيران وحسب، بل وفي كل المنطقة، حيث باب الاغتيالات المشرع، أي التصفية الجسدية، عدا عن الاغتيال المعنوي والتخوين، وفوق هذا وذاك تدمير مفهوم الدولة العربية.
وتدمر إيران مفهوم الدولة العربية ليس بسطوة السلاح والميليشيات وحسب، بل الأخطر بتفتيت النسيج الاجتماعي لتلك الدول العربية، مثل سوريا ولبنان والعراق واليمن، من خلال تأجيج الطائفية المقيتة.
وبالطبع ليس الأميركيون، أو الغربيون، فقط الذين يشعرون بالحرج، بل حتى نظام الأسد، و«حزب الله» في لبنان، والميليشيات الطائفية المسلحة بالعراق، وبالطبع الحوثيون باليمن، ومثلهم حركتا «حماس» و«الجهاد الإسلامي».
كل هؤلاء يشعرون بالحرج خشية المستقبل بحال اهتزت إيران، بالمظاهرات، أو مصير المرشد الإيراني، والتقارير الصحافية الآن تتحدث عن صراع من يخلف المرشد، وعلينا أن نتذكر بأن إيران لم تتعافَ من مقتل قاسم سليماني، فما بالك بغياب المرشد لو حدث.
وعليه، فإن مشكلات طهران داخلية، وعدو النظام هو الشعب الإيراني، وملخص القول إن النظام الإيراني ضعيف، والوحيدون الذين لم يستوعبوا ذلك هم الولايات المتحدة وأوروبا، اللذان لا يزال البعض فيهما يعيش أوهاماً سطحية الإرث الأوبامي.