ازدواج المعايير أو «double standards» هو أصدق وأدق وصف لتعامل الدول الغربية وفي مقدمتها أمريكا مع إيران والدول العربية. عيون هذا الغرب مفتوحة باتساع شديد على العرب، لكنها تكاد تكون مغلقة تماماً عندما يتعلق الأمر بإيران، وملاحظاته المبالغ فيها لا تتوقف عندما يتعلق الأمر بنا، لكنه لا يلاحظ شيئاً في تلك الدولة الثيوقراطية المتسلطة، ومبالغاته وادعاءاته واتهاماته وتزييفاته مصوبة تجاهنا، لكنه لا يبدي أي ملاحظة على الجرائم التي يرتكبها النظام الإيراني بحق شعبه والشعوب الأخرى التي تتغلغل فيها ميليشياته.

قبل أيام وخلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة رفض الرئيس الإيراني مقابلة الإعلامية الشهيرة كريستيانا أمانبور قبل لحظات من إجرائها، وبعد الموافقة سلفاً عليها، لأنها رفضت شرطه المفاجئ بارتداء الحجاب خلال المقابلة. تابعنا وسائل الإعلام الأمريكية الشهيرة حينذاك، لكنها لم تحفل بالقصة ما عدا إشارة عابرة في قناة cnn التي تعمل بها أمانبور. ماذا كان سيحدث لو أن حاكماً عربياً، وخليجياً على وجه التحديد، فعل ما فعله الرئيس الإيراني.

ومنذ أيام أيضاً والشارع الإيراني مضطرب وصاخب بسبب وفاة فتاة إيرانية وهي قيد الاحتجاز لعدم ارتدائها الحجاب، جريمة بشعة بحق الإنسانية لا يمكن تبريرها في أي دولة وأي مجتمع، لكن تعامل الإعلام الغربي مع تلك الجريمة كان ناعماً وعابراً وخجولاً. ونتساءل أيضاً ماذا كان سيفعل ذلك الإعلام لو كانت تلك الحادثة قد وقعت في دولة عربية، لا سيما من الدول التي ناهضت وأجهضت مشروع الخراب العربي.

إيران لم تكن لترتكب كل جرائمها وحماقاتها، ولم تكن قادرة على الاستمرار في تهديد أمن وسلم المنطقة، أو التدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول، لو لم تكن واثقة تماماً أنها بمأمن من أي مساءلة أو ردع مما يسمى بالمجتمع الدولي، الذي تقوده أمريكا وحلفاؤها من الدول الغربية.

كل ما تفعله إيران أمام عيون العالم لا ينتقده المجتمع الدولي كما يجب، قانونياً وإنسانياً، لكن أصغر صغيرة قد تحدث لدينا يتم تضخيمها إلى أكبر حجم، ويصيبنا الإعلام الغربي بالصداع من ضجيجه بشأنها.

هذه هي المعايير المزدوجة التي يمارسها الغرب الذي يتشدق بحقوق الإنسان وهو أكبر محرض على انتهاكها.