قبل أيام خرج على العالم كل من الرئيس الأمريكي بايدن، والرئيس الروسي بوتين بخطاب تصادمي، يخلو من لهجة التفاهم، والالتقاء عند حل وسط، ويوحي باحتمالات حرب عالمية ثالثة نووية. مع أن كل واحد منهما يعرف وبالمعلومات المؤكدة، أنه سيخرج خاسراً. وأن الدمار أمر سيصيب الجانبين.
بوتين أعلن في خطاب للأمة «عندما تتعرض وحدة أراضينا للتهديد، فسوف نستخدم بالطبع كل السبل المتاحة لحماية روسيا وشعبها». متهماً الغرب بأن «هدفه إضعافنا وشق صفوفنا، وتدمير بلادنا». ملوحاً بإمكان استخدام السلاح النووي.
بعدها مباشرة كان بايدن يلقي خطابه في افتتاح دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، ورد على خطاب بوتين مهاجماً إياه، واتهمه بتهديد أوروبا بالسلاح النووي.
قبل هذه المواجهة العلنية بأسابيع، كانت مراكز الفكر السياسي قد انشغلت بدراسة احتمالات نشوب حرب نووية، وتقدير حجم ومدى الخسائر التي ستصيب طرفي الحرب، والبشرية عامة.
هناك البحوث التي أذاعتها شبكة «س. بي. إس» التلفزيونية الأمريكية، والتي قدرت الخسائر البشرية بأنها ستشمل مقتل 360 مليون شخص عندما تنشب الحرب بين أمريكا وحلفائهامن جهة، وروسيا من جهة أخرى، وكذلك إصابة ستة مليارات إنسان بالمجاعة، وانخفاض درجات الحرارة لأكثر من 58 درجة فهرنهايت.
وفي دراسة للبروفيسور الكس ويليرشتين بمعهد التكنولوجيا في نيويورك، قال: إن الدمار الذي سيلحق بالجانبين هو أمر مؤكد. وكان بوتين منذ أول يوم لحرب أوكرانيا، قد حذر من أن أية تدخلات خارجية ضد بلاده سوف تؤدي إلى عواقب لم يسبق للعالم أن شهد لها مثيلاً في التاريخ.
جماعة من العلماء، سبق أن أجروا في 28 يونيو/حزيران 2022 استطلاعاً بين النخبة المتخصصة، شارك فيه بيتر سكو بليك عضو برنامج الأمن العالمي في الولايات المتحدة، ومؤلف كتاب «أمريكا في مواجهتهم»، عن تاريخ الاستراتيجية النووية، وديفيد ماندير عضو الأكاديمية التكنولوجية في نيويورك. وكانت نتيجة الاستطلاع أن النزاع النووي يعود الآن كاحتمال قائم.
كثير من المحللين في الغرب حذروا من تحول النزاع حول أوكرانيا إلى حرب نووية، وقالوا: إن بوتين عندما يواجه احتمال إصابة روسيا بهزيمة عسكرية، فإنه قد يستخدم ما يُسمى بالأسلحة النووية التكتيكية على أرض أوكرانيا، وبنفس القدر يخطط حلف الناتو لاستخدام أسلحة نووية.
الكثير من المحللين قالوا: إن روسيا ستلجأ إلى الأسلحة النووية إذا شعرت أن وجودها أصبح مهدداً، وتوقعوا أن يقتصر استخدام بوتين للأسلحة النووية التكتيكية على أرض القتال داخل أوكرانيا.
تقول البحوث الغربية: إن واشنطن وموسكو كانتا أثناء الحرب الباردة تحرصان على تجنب أي مواجهة مسلحة بينهما، وإن كانت كل واحدة منهما قد أشعلت حروباً بالوكالة، وقامتا بتزويد أطرافها بالسلاح.
بعض الدارسين يرون أن الدلائل التي توحي بأن مجازفة بوتين بحرب نووية تعد قليلة، لأن أمريكا سترد في هذه الحالة، بتدمير روسيا كدولة. وفي مواجهة ذلك جاء تحذير بوتين عندما قال: إنهم يريدون عالماً من دون روسيا.
تضمنت تلك الدراسات، القول: إننا لسنا على يقين من أن روسيا لابد وأن تستخدم الأسلحة النووية، لكن علينا أن نفترض الأسوأ على ضوء ما نحن فيه من قلق وتوترات ومخاوف. وعلينا أن نتوقع وجود فرصة بنسبة 95% من أن روسيا يمكن أن تستخدم أسلحة نووية تكتيكية، في أي قتال مباشر مع قوات الناتو. وأن نتوقع افتراضاً أن يكون استخدام هذه الأسلحة محصوراً داخل حدود أوكرانيا. مع وجود افتراض لدى البعض – نتيجة سوء التقدير – من تمدد القتال إلى أهداف استراتيجية في بعض دول حلف الناتو.
ثم إن قادة الناتو هم الذين يجب أن يقرروا ما إذا كانت قواتهم ستتحرك لمواجهة مباشرة مع روسيا. وإن كنا نعتقد أن الاحتمال ضئيل في إقدامهم على ذلك، لكن عليهم أيضاً أن يعترفوا بأن سياساتهم قد تدفع بوتين نحو التصعيد.
هنا لا يمكن تجاهل تحذيرات سبق أن أعلنتها شخصيات أمريكية ذات شأن، من أن تمدد حلف الناتو إلى الفناء الخلفي لروسيا؛ حيث حدودها مع دول انضمت إلى الناتو، يمكن أن يقود مستقبلاً إلى حرب مع استمرار هذا التمدد، وهو ما يعزز مخاوف روسيا من أن الهدف هزيمتها وإضعافها. هؤلاء توقعوا رد فعل قاطع وحاد من بوتين.
ويبقى السؤال: من يملك البصيرة والحكمة ليخرج نفسه والعالم من تلك الدائرة الجهنمية؟