من أصعب التحديات التي تواجه القائد أن يجد نفسه أمام معضلة «ترويض النمور» في عمله. صحيح أن هناك «صقوراً وحمائم» في العمل، لكن هناك أيضاً «نموراً» يصعب إدارتها. فمهما أوتي المرء من سلطات أو صلاحيات فإنه سيجد نفسه أمام ثلة من الأقوياء الذين يتطلب التعامل معهم حنكة وصبراً.

والأقوياء مراتب، فهناك «شديدُ الشَّكِيمَةِ»، وهو الأبي الذي لا ينقاد، والحازم، صاحب الأنفة. ومن الأقوياء «المخضرمين» الذين تمتد جذورهم في المؤسسة وخارجها. والمخضرم من عاصر جيلين، فهو إذا ما أمر أُطيع وإذا ما نهى استجيب له، تقديراً لسيرته الطويلة. وهذا لا يعني أن كل مخضرم قوي، فهناك مخضرم يتسكع في ردهات العمل، لكن أحداً لا يلقي له بالاً؛ لأنه ليس لديه شيء يضيفه، وكل مؤهلاته تكمن في علاقته الوطيدة مع كبار المسؤولين.

ومن الأقوياء بالعمل، المبدعين الذين إذا ما تولوا ملفاً أو قضية فإنهم يتألقون. والإبداع ليس له سقف. وهنا يجد القائد الضعيف نفسه أمام تحدي «السيطرة» أو الهيمنة من أجل الهيمنة. وينسى أن القيادة بطبيعتها تواجه شخصيات متعددة. ولذلك قيل «لا تكن ليناً فتعصر ولا صلباً فتكسر». وهو مبدأ قيادي راسخ يدعو إلى تقدير طبيعة المواقف والأشياء والشخصيات التي نتعامل معها. فالقائد ليس قاضياً، لذلك يضطر إلى أن يغض الطرف عن مسؤول قوي، أو يتحلى بالإبداع في طريقته لحل المشكلات في سبيل تسيير دفة السفينة.

تذكرت ذلك وأنا أقرأ قبل أيام كتاباً أهدي إليّ من دار شفق للنشر والتوزيع في الكويت، لصاحبها د.ساجد العبدلي، بعنوان «ترويض النمور». وهو عنوان جميل لكتاب مترجم صدر في الآونة الأخيرة لكاتبه تود هنري. يدعو الكتاب القائد أن يكون هو النموذج الذي يحتاجه المبدعون.

ويرفض المؤلف تشبيه قيادة المبدعين بالمثل الغربي الشهير «ترويض القطط» كناية عن صعوبة ذلك، فهو يرى في المثل تشبيهاً مهيناً. غير أنك إن وظفت قياديين لامعين يتحلون بدرجة عالية من الدافع الداخلي للتعامل مع الأقوياء (المبدعين) في العمل، فسوف يجني العمل الجماعي ثماره.

وأرى أن المبدعين هم أيقونة العمل الجماعي. فهم باختصار نمور يجب معرفة كيفية تحفيزهم، وتطويرهم، وتبني مقترحاتهم، وتطعيمهم بفريق عمل يسرع من وتيرة إنجازهم. فكم من موهوب، وجد نفسه مغموراً في إدارة نائية أو هامشية، وتم إشغاله في عمل روتيني؛ فتم وأد إبداعاته. وينسى هؤلاء أن الإبداع فيه قوة دفع هائلة، فهو ينقلنا إلى الحلول برشاقة، وبسرعة خارقة، وبأقصر الطرق. والمبدعون مع الأسف قلة، فضلاً عن أن صبرهم سرعان ما ينفد، لأن خياراتهم في هذه الحياة عديدة. فهم أكثر من تستقطبهم المؤسسات الحية والجادة في تحقيق أهدافها واحتواء الموهوبين.

وعندما يتولى القائد زمام المسؤولية، لا بد أن يذكر نفسه دوماً بأنه سيكون أمام شريحة عريضة من الناس منهم الصقور، والحمائم، ومنهم النمور ومنهم «نمور من ورق» لا يستحقون أن يبقوا في هذه المؤسسة.