لم تعد الحروب التقليدية لإسقاط الدول هي الطريق الوحيد، ولم تعد طبعات ما يسمى «الربيع العربي»، التي عاشتها المنطقة العربية، هي النهج المعتمد لنشر القلاقل والفوضى والتخريب.

الحرب الحديثة، باتت لها أشكال وأنماط متنوعة، بعيداً عن المدافع والطائرات والقنابل، حرب تعتمد على أساليب التكنولوجيا الحديثة، حرب أسلحتها فتاكة، لها أبطالها، وجنودها، ومحركوها، ومختبراتها، أتحدث عن حرب الشائعات وتضليل الوعي.

من يتجول في عالم سوشيال ميديا، يتأكد له أن هناك قوى تستخدم الشائعات سلاحاً لمواجهة دول وشعوب أخرى، هذه الحرب التي يطلق عليها «حروب الجيلين الرابع والخامس»، تستهدف عقول الشباب من أجل ضرب مفاصل الدول، وتشويه مفهوم الوطنية والانتماء، وخلق فجوات كبرى بين الشعوب وقادتها، بما يؤدي إلى إضعاف واهتزازات في النسيج الاجتماعي والسياسي، ومن ثم تفكيك الاستقرار، والسلام الاجتماعي.

هذه الحروب الخطيرة، تستهدف الآن الشعوب العربية، بعد أن فشلت محاولات السيطرة المباشرة على مقدرات الدول الوطنية العربية، فالنتائج التي كانت مرجوة، من فوضى ما يسمى «الربيع العربي»، لم تحقق - في وجهة نظر أصحابها - النتائج التي كانت مستهدفة منها، وبالتالي فإن دورة الاستهداف باتت تأخذ أشكالاً وأنماطاً جديدة، عبر إطلاق منصات الشائعات والتشكيك، وتأليب الرأي العام، وضرب النقاط الرئيسة في جسد هذه الدول العربية.

اللافت للنظر أن حرب الشائعات، تأتي وسط متغيرات وتحولات إقليمية ودولية كبرى، ونظام عالمي جديد تتم صياغته الآن، ولا شك في أن هناك قوى تستغل هذا التوقيت، وتحاول منع الدول العربية من أن تأخذ مكانها الطبيعي المتميز، في أية تحولات عالمية جديدة، فضلاً عن أن من يدير حرب الشائعات، يحرص جيداً على فتح مسارات التعامل مع الجماعات والتنظيمات الإرهابية، لتكون أهم أدواته في نشر الفوضى والتخريب، بالتزامن مع أهدافهم السامة، في نشر الشائعات والأكاذيب.

الخطر الذي نرصده الآن، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يضعنا أمام مشاهد لا تزال حاضرة في ذاكرة ووجدان هذه الأمة، فلا ننسى ما حدث عام 2003، عندما انتشرت شائعة أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، ولم تتم مقاومتها أو رفضها أو تصويبها، ومن ثم كان الثمن فادحاً بغزو أمريكي - بريطاني، لا تزال تداعياته وآثاره السلبية قائمة حتى الآن، على أمن وسلامة واستقرار العراق، في حين أن الأيام أثبتت كذب هذه الشائعة، وأنها أكاذيب لا تمت للحقيقة بصلة، فقط كانت تحتاج إلى قدر من الوعي لدى الشعوب، لمواجهة هذه الحرب التي استهدفت العراق للدخول إلى باقي عواصم المنطقة.

وتفكيك دولها، وتغيير خرائطها، الأمر ذاته عشناه واقعياً أيام ما يسمى «الربيع العربي»، فقد كانت هذه الحرب تجمع أطرافاً عديدة خارجية وداخلية، إرهابية وإجرامية، وأخرى استخباراتية، كانت مهمتها تحريك كل هذه الأطراف، وتعميق حالة عدم اليقين والثقة، بقدرات الدول العربية، والحرص على إثارة الفتنة داخل مؤسسات الدول العربية.

في ظل هذه الحرب الشرسة ضد استقرار المنطقة العربية، علينا الانتباه إلى أن فقدان الوعي، يساوي بالضرورة فقدان الخط الأول للدفاع عن الأمن القومي العربي، وبالتالي فنحن أمام تحدٍّ يتطلب من جميع المؤسسات العربية وشعوبها، ضرورة الاستجابة لهذا التحدي، عبر عدة آليات وفي مقدمتها ما يلي:

مواجهة الشائعات بمزيد من الحقائق، وسرعة إتاحة المعلومات أمام الرأي العام العربي، وتأسيس مراكز لرصد وتحليل هذه المعلومات المغلوطة، والرد عليها بأساليب منهجية وعلمية، يسهل من خلالها إقناع الشعوب العربية، والعمل على خلق حالة من التناغم والتنسيق الكاملين بين المؤسسات العربية، التي تتعامل مباشرة مع قضايا الرأي العام، وضرورة التفكير في تأسيس مؤسسة عربية مشتركة، تتولى إدارة آليات مواجهة هذه الحرب الشرسة، والعمل على تفكيك رسالتها، وتأكيد أكاذيبها.

وفي الوقت نفسه، علينا تأهيل وبناء الإنسان العربي، بما يواكب القدرة على الحفاظ على هويته العربية، فلا شك في أن هذا النوع من الحروب يمثل خطراً كبيراً، ولكن التاريخ يؤكد لنا أن العرب دائماً أمة منتصرة.