المشهد السياسي بالغ التعبير عن الواقع المتغير في لبنان: البطريرك الراعي والمفتي الشيخ دريان والمطران عودة وشيخ العقل الدكتور أبي المنى يطالبون بما يجب، والسيد حسن نصرالله يقرر ما يريد. هم في دور المعارضة، وهو في دور السلطة. أما السياسيون الموالون والمعارضون، فإنهم يتحركون على مسرح، حيث هناك دور يبحث عن بطل، و"أشخاص يبحثون عن دور" كما في مسرحية الإيطالي بيرانديللو. والمرشحون للرئاسة نوعان: واحد يبحث عنه الناخبون، وآخر يبحث عن ناخبين. والناخبون هم أهل المرجعيات في الداخل وأصحاب النفوذ في الخارج. وما يدور في المجلس النيابي هو التصويت.

واللعبة مكشوفة، وإن بدت غامضة. ولا مجال لأن يغطيها خطاب الحرص على تأليف حكومة وإنتخاب رئيس للجمهورية. لعبة فريقين: واحد يعطي الأولوية لتأليف حكومة، وآخر يعطي الأولوية لإنتخاب رئيس. هدف الأول هو "إنقاذ" الحكومة من ورطة الخلاف على تسلم حكومة تصريف الأعمال لصلاحيات الرئيس، عبر مراسيم جديدة، لأن الذهاب الى الشغور الرئاسي مقرر سلفاً. والسبب هو عجز هذا الفريق عن إيصال المرشح المختار لديه الى قصر بعبدا على خطى الرئيس ميشال عون، وبالتالي الرهان على الشغور والوقت لتجديد الفرص أمام هذا المرشح أو لإستكمال الإنهيار وتعب المعاندين والناس، بحيث يسلمون بإنتخاب من يرفضونه، إن لم يكن الهدف هو الوصول باليأس الى "لبنان آخر" ضمن "محور الممانعة". وهدف الطريق الثاني هو تحريك المسار المتوقف لإنتخاب رئيس وبدء العمل الجدي لإنقاذ الجمهورية على مراحل.

والأفضل بالطبع هو الحصول على حكومة ورئيس. لكن المنطق البسيط هو إنه إذا كنا ذاهبين الى إنتخاب رئيس في الشهر الأخير من المهلة الدستورية، فلا قيمة للتنافس على حكومة عمرها أسابيع لأنها تعتبر مستقيلة فور إنتخاب الرئيس. لكن الظاهر أن المطلوب كثير من حكومة مرشحة لأن تكون طويلة العمر بسبب الشغور الرئاسي الذي يراد لنا أن نصل إليه بالخيار لا بالإضطرار.

ولا أحد يجهل ان الحكومة والرئاسة معاً هما من الأدوات في معركة على روح لبنان أكثر مما هما ضمن تعزيز المؤسسات في تسوية. فلا ما نراه هو لعب على حافة الهاوية، لأننا في قلب هاوية بلا حافة. ولا قيمة للشطارة في ما يسمى تدوير الزوايا وتربيع الدائرة، لأن ما نحتاجه هو الخروج من الدائرة والسير على طريق واسع بلا زوايا. ولا شيء اسمه فوضى دستورية، بل فوضى إنقلاب على الدستور بأشكال سياسية مدعومة بالقوة، وتقود الى مناطق متنازعة تتوزعها زعامات وتضربها أزمات مالية وإقتصادية وإجتماعية أقوى من الأزمات الحالية. حتى ترسيم الحدود البحرية وبدء مسار يستغرق سنوات لإستخراج الغاز، فإن ما يتم التركيز عليه في الوقت الحالي هو أن "حزب الله" أكمل تحرير الأرض بتحرير البحر من الإحتلال الإسرائيلي.

يقول فرنسيس فوكوياما إن العالم قسمان: "تاريخي" و"ما بعد تاريخي". لكن لبنان صار في واقع "ما قبل تاريخي".