قدم أكثر من شخص نصيحة للشباب مفادها توفير حق القهوة، وادخاره، ومن ثم استثماره لكذا عام للحصول على عقار أو سيارة أو أشياء أخرى من الأصول الكبيرة أو المهمة في حياتهم، قدموا هذه النصيحة كتعويذة سحرية للوصول إلى تحقيق بعض الأحلام في المستقبل البعيد.

الناصحون بالغوا قليلا أو كثيرا في النتائج خاصة فيما يتعلق بالزمن الذي وعدوا فيه بتحقيق النتائج، ومن وجهت إليهم النصيحة بالغوا في الاعتراض، وتفننوا في السخرية، وأطلقوا كثيرا من التعليقات الكوميدية المضحكة بالفعل، التي أنصح بقراءتها للاستمتاع بالحس الفكاهي الذي يشي بحس نقدي عال، وللاستفادة ومعرفة كيف يفكر أبناؤك وبناتك الذين "أزعجتهم" بضرورة الادخار وعدم احتقار أي مبلغ صغير يقتطعونه من مصروفهم أو أجورهم إذا كانوا موظفين.

تذكرت الفيلسوف الاقتصادي آدم سميث الذي اشتهر بكتابه "بحث في طبيعة ثروة الأمم وأسبابها" المعروف اختصارا باسم "ثروة الأمم"، الذي يؤكد أهمية رأس المال كعنصر أساسي للنمو إلى آخر النظرية المعروفة للمتخصصين أو المطلعين.
ما عرفته متأخرا ـ وما أكثر ما أتعلمه متأخرا ـ أن آدم سميث كان لديه كتاب آخر قبل كتابه الشهير اسمه "نظرية المشاعر الأخلاقية"، كان يؤيد فيه نظرية سياسة عدم التدخل في الاقتصاد، مقترحا فكرة اليد الخفية التي تنص على ميل الأسواق إلى تنظيم أنفسها ذاتيا، عن طريق التنافس والعرض والطلب والمصلحة الشخصية.

حسنا، يبدو موضوع توفير قيمة قهوة الشباب من الجنسين مثل نظريتي سميث أعلاه، فمن جانب هناك قدر كبير من الصحة في نصيحة التوفير للحصول على رأس مال ومن ثم الاستثمار أو الاقتناء، وهناك أيضا قدر معقول من "المشاعر" في ترك الشباب يصححون مساراتهم الاستهلاكية "تنظيم أنفسهم ذاتيا".

ثقافة الاستهلاك تتزايد، وهناك قدر من الإحباط أو نقص الهمة عند الحديث عن الادخار، فالشاب أو الشابة في مقتبل العمر يعيش صراعا غير متكافئ بين تأمين إما المتعة الآنية وإما الأمان المالي المستقبلي، غير متكافئ لأن الكفة ستميل حتما إلى المتعة كأمر طبيعي ومتوقع في سنه، بينما من هم في سن أكبر ومسؤوليات أكثر سيميلون في الأغلب إلى الأمان، وهم من يقدمون النصائح متحسرين أنهم لم يستمعوا لمن نصحهم وهم صغار، هكذا هي الحياة.

الخطاب النظري في الأغلب سهل، وقد يبدو منطقيا، وهو في هذه الحالة منطقي إلى حد بعيد، لكنه يتجاهل طبيعة العصر وسمات الجيل، وهو يحتاج إلى فنجان قهوة لإعادة النظر فيه ليكون أكثر فاعلية.