خرج الإيرانيون إلى الشوارع، ومن الجامعات، وفي كل المدن الإيرانية، بدءاً من العاصمة طهران، بعد أن ملّوا من الاستبداد والقهر والظلم، وبعد أن عانوا من العزلة، والبطالة والفقر، وحكم الناس بالحديد والنار.

خرجوا، يجمعهم الشوق إلى الحرية، بكل قومياتهم ومذاهبهم، ومواقع تواجدهم، لا يخيفهم البطش والقتل، والإفراط في استخدام السلاح ضدهم، رغم أن مظاهراتهم سلمية، وأيديهم خالية من أي سلاح لمقاومة هذا النظام الظالم.

يقول رئيس البرلمان الإيراني يجب استخدام القسوة مع المتظاهرين لأن هدفهم إسقاط نظام ولاية الفقيه، ولم تكن قوى الأمن بحاجة إلى تذكيرها بما يجب أن تتعامل به مع المحتجين، فقد استخدمت القوة المفرطة، وقتلت من قتلت، وأصابت من أصابت، وما زال مسلسل الدماء مستمراً.

لقد انشغل هذا النظام البائس عن الاهتمام بالشعب، وتطوير البلاد، إلى تصدير ثورة الخميني إلى الدول الأخرى، فسخر لها أموال الشعب، وقدرات البلاد، وحرم الدولة من أي تطور يكون على حساب إضعاف دوره في التآمر على الدول الأخرى.

لهذا كان دعمه لحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، والنظام في سوريا، وبعض الأحزاب في العراق وغيرها لتكون أذرعة النظام الإيراني في هذه الدول، دون أدنى تفكير بما يتركه ذلك من أثر سلبي على المواطنين وحياتهم المعيشية، أو على البلاد وتطورها أسوة بدول المنطقة الأخرى.

ولابد من التذكير أن هذه الثورة الشعبية تأتي امتداداً لثورات سابقة، لكن الثورة الحالية هي الأقوى، والأوسع انتشاراً والأكثر تصميماً، وقد لا تكون الأخيرة، فالنظام لن يتركها تتنامى، وسوف يستخدم كل إمكاناته لإفشالها، مهما كلف ذلك من سقوط للمتظاهرين الأبرياء.

ولم تقتصر الاحتجاجات على المدن والجامعات الإيرانية، وإنما امتدت إلى دول العالم في أمريكا وأوروبا، وغيرها، يندد فيها المتظاهرون من الإيرانيين وغير الإيرانيين أسلوب القمع والقسوة في التعامل مع مظاهرات احتجاجية سلمية ضد الفساد المستشري في البلاد، وانعدام الحرية، والتدخل في شؤون الآخرين على حساب مصلحة إيران والإيرانيين.

ولم تكتف أجهزة الأمن في إفشال هذه المظاهرات باستخدامها القوة والسلاح الفتاك، وإنما قامت بقطع كل وسائل التواصل لمنع التنسيق بين المتظاهرين، غير أن هذه الخطوة فشلت في الحد من زخم المظاهرات، أو إيقاف امتدادها إلى باقي الأراضي الإيرانية.

ولم يجد نظام ولاية الفقيه ما يبرر به سبب هذه المظاهرات غير قوله بأنها تمت بتحريض وعمل من مخابرات الدول ذات المواقف المعادية لسياسة إيران، وهو قول غير صحيح، أراد به النظام تخفيف وهج هذه الانتفاضة، والتقليل من قيمتها، وإشغال الناس بما لا يتفق مع الواقع.

قد تتوقف المظاهرات الحالية كما حدث مع سابقاتها بسبب استخدام القوة والقسوة، ولكنها ستعود من جديد، فالشعب الإيراني الثائر بكل قومياته ومذاهبه ودياناته لن يستريح ما لم يسقط نظام ولاية الفقيه، ويعود حكم البلاد للشعب الذي كان وراء إسقاط نظام الشاه وعودة الخميني المنفي إلى البلاد، حيث سرق هذا الخميني الثورة، وتحكم بمصير الدولة، وورثه أعوانه من بعده، لتكون إيران بهذا الظلام الدامس في كل شيء.