توسع علم الإدارة كثيرا في العقود الماضية، وتجاوز في حيثياته وميادينه ومداراته ما دأبت الأكاديميا التقليدية على تدريسه في مناهجها المختلفة، وهذا التجاوز وتلك الميادين كانت دوما مرتبطة ومرهونة بالتطور البشري وسلوك الإنسان وتقدم التكنولوجيا.
إلى حدود زمنية قريبة كان اليابانيون مثلا، وفي ظل التجارة العالمية والتسارع في تقديم الخدمة والمنتج الأفضل قد ابتكروا مفهوم «إدارة الوقت»، وهو علم أصبح لها مناهجه ونظرياته.
في علم العلاقات الدولية، وعلم العلاقات العامة كبداية، تم ابتكار علم «إدارة الأزمات»، وهو ما برعت فيه دول عديدة، وانتهجته شركات ضخمة في سبيل تحقيق الحلول تحت ضغط الأزمات.
اليوم، وفي ظل كوارث عالمية تأخذ شكلاً أممياً، وقد تحول العالم فعلياً إلى قرية واحدة تحت تأثير التكنولوجيا وثورة المعلومات، فإن البشر يتعرضون لأخطار واحدة تستهدفهم بلا استثناء جغرافي أو عرقي أو ديني، مثل ما عشناه قبل عامين – كبشر- من رعب أمام فيروس «كورونا»، وما نعيشه اليوم من تداعيات الحرب في أوكرانيا، فإن المصطلح الذي بدأ بالظهور هو «إدارة الرعب» أو «إدارة الهلع»، وهو فن إدارة مستحدث جدا يعتمد على الإعلام ووسائل التواصل في العصر الرقمي، ومن يتحكم بها أكثر، قادر ببساطة على زيادة أو تقليل منسوب الهلع بين البشر وعلى مستوى الكوكب كله.
ضمن «إدارة الهلع» نفسها، هناك مستويات إدارة فرعية مثل «إدارة الإشاعة» و«إدارة المؤامرة» وكذلك «إدارة المعلومة الصحيحة» بحيث يتم تحويلها إلى حالة تضليل من دون تغييرها، وهذا فن يتطلب مستوى عالياً من الذكاء والشر في الوقت نفسه، وهو ذكاء شرير حاضر خلف الشاشات التي بحجم راحة اليد وتقذف كبسولاتها الخبرية التي تم إعدادها بمنهجية «ترعيب» واضحة.
ليس من السهل تحديد كل ما سبق ذكره اليوم في ظل كل هذا «الهلع» الذي نعيشه وتتم إدارته بخبث ودهاء، لكن من الممكن أن نتلمس وجود «إدارة هلع» ما لو أخذنا نفسا وتأملنا الأخبار بعقل بارد من دون الوقوع تحت تأثيرها النفسي.
لا أقصد بكلامي وجود «نظرية مؤامرة» تتحكم في العالم، لكن ما أقصده أن هناك دولاً وحكوماتٍ، تستثمر بأزمة «كورونا» البشرية لتحقيق أجندات لها ولا تدرك حتى اليوم أن الأزمة عالمية وتشمل تلك الدول نفسها.
نعم، هناك تفكير ذكي لكن بأفق ضيق ومحدود لا يحاول أن يندمج مع الإنسانية في سبيل البحث عن حلول، لكن يصرف الطاقات وينفقها في إدارة الهلع والرعب ولي الحقائق وأحيانا إخفاءها.
توظيف الأزمة لتلك الغايات الشيطانية يضع تلك الدول خارج سياق العالم، ومنطق الإنسانية، والعمل على بث إشاعات تحقيقا لأجندات سياسية بشعة، في هذه الظروف ليس إلا نوع جديد ومتطور جدا من الإرهاب، وتصبح «إدارة الهلع» حينها اشتقاقاً طبيعياً لمنتج داعش الفكري «إدارة التوحش».
كيف نقاوم كل هذا الرعب والهلع؟ الحل بسيط ويكمن في مزيد من شراكات التعاون الإقليمي والعالمي، فالموارد الطبيعية متاحة والموارد البشرية كامنة وتحتاج منصات انطلاق، والتكنولوجيا وصلت حداً خرافياً من التقدم، كل ما يلزمنا فقط أن نرتقي كبشر إلى إنسانيتنا ونتعاون لنبني الأرض ونستثمر خيراتها.