منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية منذ عام 2011 بدأت في البحث عن مصادر جديدة للنمو، بالاعتماد على رأس المال القائم على المعرفة، والذي ينتج من خلال استثمار قطاع الأعمال في الأصول غير المادية، ولعل أهمها البحث والتطوير، إلى جانب البيانات والبرمجيات وبراءات الاختراع، والعمليات التنظيمية الجديدة، ويُعد مثل هذا الاستثمار الأساس للاقتصادات الحديثة، استثمار قطاع الأعمال في رأس المال القائم على المعرفة في العديد من الدول الأعضاء في المنظمة يتزايد بشكل أكبر من الاستثمار في الأصول المادية، بل إن هناك بعض الدول التي يتفوّق فيها هذا النوع من الاستثمار على الاستثمار في رأس المال المادي.

وقد أثبتت دراسة في الاقتصاد القياسي لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أثر الأنماط المختلفة لرأس المال القائم على الاقتصاد على الإنتاجية، ومن ذلك تم التوصّل إلى وجود علاقة طردية بين استثمار قطاع الأعمال في البحث والتطوير ونمو الإنتاجية. ولتشجيع الشركات والمؤسسات على الاستثمار القائم على المعرفة، تقدم معظم دول المنظمة إعفاءات ضريبية كبيرة لإنفاق الشركات والمؤسسات على البحث والتطوير.

الجامعات من أهم المؤسسات القادرة على إنتاج المعرفة وإجراء البحوث العلمية وتسجيل براءات الاختراع، وغيرها من أشكال رأس المال القائم على المعرفة؛ وذلك لما لديها من كفاءات وباحثين ومتخصصين متعمقين في مختلف المجالات. ولتتمكن الجامعات من ترسيخ مثل هذه الممارسات بين منتسبيها من أكاديميين وطلبة، عليها أن تتخذ عددًا من الخطوات نحو هذا الاتجاه بدءاً بمراجعة دقيقة لآليات حوكمة البحث العلمي في الجامعة، وتطويرها وفقًا لأفضل الممارسات العالمية في هذا المجال، بما يكفل تطوير المخرجات البحثية للجامعة. إن مثل هذه المراجعة لا بدّ أن تشمل سياسات البحث العلمي والابتكار وريادة الأعمال، ومعايير وآليات تمويل المشاريع البحثية، إلى جانب العلاقة مع قطاع الصناعة والأعمال من خلال الحاضنات ومكاتب نقل التقنية التي تسهم في إيصال التطورات البحثية إلى السوق.

تُعنى المرحلة الأولى بوضع استراتيجية وطنية للبحث والتطوير بدراسة الوضع الراهن للبحث العلمي في المملكة، والتعرف على نقاط القوة والضعف والفرص والتحديات، حيث تشمل هذه المرحلة جمع البيانات والمعلومات والحقائق حول أنشطة البحث العلمي في مؤسسات التعليم العالي، وكذلك الأبحاث والمشاريع التي تقوم بها الجهات والهيئات الحكومية ومراكز الأبحاث ومؤسسات القطاع الخاص. لذا فإنه وفي هذه المرحلة يتم البحث عن إجابات للأسئلة التالية: ما الاحتياجات التي يجب أن تلبيها الاستراتيجية؟ ما الوضع الراهن للبحث العلمي في المملكة من حيث التمويل، والمخرجات، وجودة الأبحاث، وقياس الأثر، والمجالات البحثية؟ وما مدى ارتباط الأبحاث بالصناعة، والابتكار، وريادة الأعمال، والتسويق؟ وما مدى وجود شراكات بحثية، والتعاون الدولي، والبحث الممول من قبل القطاع الخاص أو الصناعي؟ ما الذي يجب أن تعالجه الاستراتيجية؟

وللإجابة عن هذه التساؤلات لابد من دراسة الوثائق والأنظمة واللوائح ذات العلاقة، إلى جانب إجراء العديد من الاجتماعات واللقاءات مع القطاعات ذات العلاقة المتمثلة في مؤسسات التعليم العالي، والقطاع الحكومي، وكبرى الشركات، وكذلك الجمعيات العلمية، والعمل على أهمية إدراك نقاط القوة والضعف، والاستعداد للمشاركة في الاستثمار المعرفي، ومن المتوقع أن نجد العديد من المجالات التي تتطلب التطوير، لعل من أبرزها تمويل البحث العلمي وإيجاد الآليات التي تضمن ديمومة الموارد، وتعزيز ثقافة البحث العلمي والاعتراف بقيمة الأبحاث.